الثلاثاء، 30 يونيو 2009

ليس دفاعـاً عن المرأة إنّـما إنصـافٌ لـهـا ..!! - دراسة نقدية اجتـماعية

ليس دفـاعـاً عن الـمرأة، إنّـما إنصـافٌ لـها ..!!


لاغرابة في تأخر المجتمعات العربية المتأسلمة في الوقت الذي ماتزال المرأة دربا مخيفا في ليلة مظلمة؛ إذْ "كيف يكون مجتمع، أي مجتمع، شبكة متينة من العلاقات الإنسانية الخلاقة إذا كان نصف منه لايرى في النصف الآخر إلا ذئابا مفترسة، وبيوت عناكب من الفولاذ المحبك لاصطياده، ومنابع للخطيئة تتفجر من مسام الأجساد ؟"[1].
يخشى رجال اليوم من المرأة، صديقة كانت أو زوجة، قريبة أو بعيدة، لالشيء إلا لأن بعض الكتب المقدسة أثبتت من جانبها مدى خطورتها وعاطفيتـهــا
[2]، فأم البشر دفعت بأبيهم إلى الأكل من الشجرة وارتكاب الخطيئة الكبرى؛ التي أخرجت الإنسان من الجنة ورمت به في جحيم الأرض، ناسين أن تلكم -ربما- حكمة من حكم الخالق. وزوجة العزيز أرادت من يوسف عليه السلام أن يُـوقِعها؛ إلا أنه رأى برهان ربـه فامتنع عن ذلك، قال تعالى: {قال ما خطبُـكُنَّ إذْ راودتُـنَّ يوسف عن نفسه قُـلنَ حاش لله ماعلمنا عليه من سوء، قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودتُـه عن نفسه وإنه لمـن الصادقين (51)}[3]، قال أيضا: {ولـقد همّت به وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربـه، كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء؛ إنه من عبادنا المخلصين (24)}[4].
من جانب آخر نسي هؤلاء أن الرجال صنفان: مَـنْ يتبع الهوى (أبونا آدم مثلا)، ومَـنْ يُـحكِّم العقل (سيدنا يوسف).
فأبو البشر وأولهم ظهوراً وقع في مصيدة الأنثى، لكن من أبنائه (يوسف) مَن تعلّم من خطئه، وهذا مبدأ يجب أن نُقـرّه، قال الحق سبحانه: {يابنـي آدم لايَـفتِنَـنَّكُم الشيطانُ كما أخـرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليُريَهُمـا سـوْءاتهما؛ إنه يراكم هـو وقبيله من حيث لاترونهم، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذيـن لايؤمنون(27)}
[5].
صحيح أيضا أن بلقيس ملكة سبأ فتنت سيدنا سليمان لما كشفت عن ساقيها، لكنه إعجاب أثمر زواجاً ولم يأت بخطيئة، قال الخالق: {قيل لها ادخلي الصَّرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح مُمَرَّدٌ من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت لله رب العالمين (44)}
[6].
فهذه أمثلة
[7] وغيرها حمَّلت المرأة أكثر مما تحتمل، وجعلت منها ذئباً مفترساً يهابه الرجل، علما أن مصدر الخوف إنما يبقى حبيس علاقة غير شرعية يمكن أن تجمع بينها وبين رجل آخـر، فنرى بذلك أن الجانب الجنسي هو القنبلة التي تبقى دائما موقوتة في ذهنية الرجل تجاه المرأة، هنا الزوجة خاصـة.
في واقع اليوم، واقع الجري وراء الملذات الغريزية، توضع من فوق المرأة كل أوزار الخطايا الأخلاقية، فتارة هـي مصدر الفتنة، وتارة هي سائقة قطار الانحراف عن الطريق المستقيم.
أين الرجل من كل هذا ..؟، أليس مشتركاً في كل تلك الأشياء ..!؟، وكل أمر ارتبط بالمرأة إلا وَوُجِدَ معها الرجل، ألم نقل أنها أكثر عاطفة وأن الرجل أعقل منها (وهذا أمر فيه نظـر)، فلماذا لايمتنع عن الركوب كلما رأى عطباً أصاب ويصيب القطار الذي تقوده.
اليوم، نجد أن مَـنْ يدفـع المرأة إلى كل ماتُقـدِم عليه هـو الرجل، لماذا نتحدث بلسان اليوم عن امرأة فقدت شرفها، السؤال: مَـنِ المسَبِّـب ..؟، غريزتها، تهوُّرُها، هذا ممكن، لكن مـادياً مَـنِ الفاعـل ..؟، الـرجل طبعاً، لذلك يجدر بنا في إطار الحديث عن المساواة تعديل الكفة، ونقـول: كل امرأة فقدت شرفها، بكارتها، إلا ومعها رجـل ساهم أو بالأحرى تسبَّبَ في ذلك، وبالتالي فهو فاقد للشرف أيضـاً.
لماذا حصل الاختلاف بين الدافع للأكل من شجرة الجنة، هل هو الشيطان أم الزوجة أم هما معاً، حتى نحـمِّل الرجل كذلك وزْرَ مايفعل.
ظُلِمَتِ المرأة كثيراً، ولامجال والحالة هاته في الحديث عن المساواة، فنحن أبعد من ذلك، يفعل الرجل من المساوئ مالاتزنه الموازين، وعندما يُقبِـل على الزواج، يظل يبحث عـن "بنتْ النَّـاسْ" ولحظتها يتَّعـظُ ويستحـضرُ الأحاديث التي تخدمُ غايته، مـن ذلك مثلاً: {تُـنكَحُ المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الـدِّين تربت يداك}
[8] .
السؤال: غياب هذه المقاييس، خاصة الحسَب أو النسب، ألا يطرح أكثر من سؤال، وهو الأمر الذي بسطناه آنفاً، مَـن دفع بالمسكينة إلى الطرد من خانة الحسَبِ أو النسب (العفة)، أليس هو الرجـل ..!!؟.
وأنت الذي تبحث عن هذه المعايير ألا تظلم المرأة التي لاتتوفر عليها.
قد يُرخص والحالة هنا عن الاشتراك في الخطيئة (خطيئة جنسية)؛ التي تقترفها المرأة بمعية الرجل طبعاً، قد يرخص للذي قَـبَرَ نفسه وأعرض عن كل فواحش اليوم، بالبحث عن امرأة ، نعم، تتوفر فيها تلكم المعايير وأكثر، أما وأن نُسْهم في تخريب قيم مجتمع اليوم وإفسادِ بناته ونسائه ونأتي في لحظة من اللّحْظات ونبحث عـن"بنت الناس"، مع ماتحمله العبارة من دِلالة أخلاقية وثقافية ودينية و...، فهذا ضَـرْبٌ من العبث؛ بل يمكن تصنيف هؤلاء ضمن "باب الحمقى والمغفلين"
[9].
فتيات اليوم قيل عنهن الكثير؛ بل ويظهـر ذلك جليا في الشوارع والحانات والنوادي الليالية، مَـنْ منَّـا تساءل يوماً عن السبب ، أم أن الملاحظة والتمتع بالظاهرة أحجما عنَّـا السؤال، وجعلنا نشاركهنَّ السهـر والسمر، حتى إذا دخلنا بيوتنا صرخنا ومنعنا زوجاتنا من التفرج على المسلسل التركي"نور ومهند"
[10].
لماذا نبحث عن بيت نقي تسوده الأخلاق المدبلجة وننسى ذلك لما نتواجد في فضاءات عامة، حينها نبدأ في الحديث عن حرية المرأة ومن حقها أن تفعل ماتشاء؛ إنها حقوق مستحقة يراد بها، مع هؤلاء، باطل.
لنفترض جدلاً أن الإنسان العربي المتأسلم جعل من وطنه صورة لبيته، أنكون أمام الحالة هاته ..!؟، طبعا الجميع سيجيب بـ"لا"، لكن مادمنا نسيِّجُ المرأة بخيمة من الألبسة كلما أردنا مغادرة البيت فإننا نكرس القاعدة التي ترمي إلى أن "البيت شيء والخارج شيء آخر"، أو كلما غادرنا البيت إلا وتغيرت سلوكاتنا؛ بل وحتى ألفاظنا، وهنا أجدني أستحضر التلميذات اللواتي يرتدين ملابس بالبيت أثناء خروجهنّ وبمجرد الابتعاد عنه يُزلن ماأزلـن ويغيِّرن ماغيَّـرن، هذا دون أن ننسى للأسف أن معظم حقائب النساء لاتخلو من مرآة ومساحيقَ، تُستعمل حتى وإن وُجِدنَ في العمـل؛ الحالة هاته وصلت إليها مدفوعة من حال واقعِ اليوم الذي تنسجه ثنائية الرجل والمرأة.
دعنا نفترض ثانية، بناءً على الطرح الأخير، لو أن الرجل مسلّحٌ بالقيم والأخلاق، ألا يقلل ذلك أو يمنع المرأة من ارتكاب كل تلك الخطايا، وكلما أقبلت عليه امتنع بتغليب العقل لا السير مع العاطفة = (وهذا مافعله سيدنا يوسف عله السلام).
لاتقل لـي: "مايمْكْـنْشْ تْـعْرْضْ عليكْ المرأة جسدْها اُوما تْضْعافْ" .. إنْ قلت ذلك أجيبك، يمكـن، لو أنك أدركت أن خالقك لو علم عدم قدرتك لكان الأمر/ الحكم شيئاً آخـر، لكن لِعِلْمِهِ الأزلي يدرك مدى مستطاعِك فعل ذلك، فقط يمكن القول "إننا ضِعاف لابسبب أصلنا الإنساني، لكن بثقافتنا الهشة وأخلاقنا الرديئة وقيمنا الدنيئة".
كفانا خوفاً من المرأة؛ فهي ليست ذئباً، ودعونا نتحمل معهن مسؤولية ماآلت إليه القيم الأخلاقية.
النساءُ شقائقُ الرجالِ في الأحكام، صحيح، لكنّ الرجالَ شقائقُ النساءِ في ارتكاب الخطايا.
****************

[1]- كمال أبو ديب"جنازات للبراعم المحتقنة"، صص: 104 و 105، ضمن مجلة"دبي الثقافية"، العدد:39، غشت 2008م.
[2]- الأمـر هنا يخص فهم النص لا النص ذاته.
[3]- سورة يوسف، الآية: 51.
[4]- سورة يوسف، الآية: 24.
[5]- سورة الأعـراف، الآية: 27.
[6]- سورة النـمل، الآية: 44.
[7]- الأمر هنا لايتعلق بالنصوص في حدذاتها، بقدر مايتعلق بفهمها.
[8]- أخذنا الحديث من "سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر" لابن معصوم، الموسوعة الشعرية.
[9]- ربما سنجد صور هؤلاء ضمن كتاب "الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي، عُـد إليه وانظـر تم اتعظ.
[10]- هذا المسلسل أظهر إلى جانب "سنوات الضياع" مدى الانصياع الذي يقع فيه الرجل أمام رغْبات زوجته وبناته، لالشيء إلا لأنه يهاب ثورتهنّ وغضبهنّ، وهذا وجه آخر من أوجه الخوف من المرأة وإن من جانب الاحتراز منها = (المسلسلان يُبثان خلال الآونة الأخيرة في بعض القنوات العربية، ويشاهدهما عدد كبير من المغاربة عبر الفضائيات، مسلسلان يُظهران أيضا مدى الجـوع الحميمي الذي يعاني منه مجموعة من الأزواج.
ذ - محمد بوشيخة؛ كاتب من زاكورة - المغرب
23 غشت 2008م
med-bouchikha@maktoob.com

هناك تعليق واحد:

  1. هـذه المـقالة نُشــرت ضــمن جـريدة "عـيون الجنوب"، العدد الخـامس، غشت 2009م، ص: 23.

    ردحذف