الثلاثاء، 30 يونيو 2009

الشعري والتيمي في ديوان " حدائق زارا " للشاعر رشيد الخديري - دراســــة نــقــديـــة



الشعري والتيمي في ديوان " حدائق زارا " للشاعر رشيد الخديري


على سبيل البدء:


لن نـردّد مع النقاد "إن الشعر ديوان العرب" ونقف؛ لأن الزمنَ ليس هو الزمن والشعرَ ليس هو الشعر، ولن نتردّد في القول مع زيد الشهيد، الكاتب العراقي إنه - الشعر- "نقيضُ الافتراضات سليلُ الافتراقات؛ ابنُ الـهَتْكِ الجَمُوحِ لسُلالة اليومي الطائع، وفاتكُ رَفْـلِ الواقع. لايقتفي خطو الرضا، ولا يجامع فتاة الـهُمُود .. في صميمه يستكين لهيبُ المنطق، وفي ثناياه تتناسلُ جذوةُ النُّطـق .. إنه النَّـظْمُ الذي يختزل عُصـارةَ الـروح ويكتنفُـها؛ حتى ليغدوَ برهـافةِ نسمةٍ هاربةٍ من كف السحر، أو خفقِ جناحِ فراشة نَـزِقَةٍ أطلقتها ضحكةُ جدولٍ بهيـج، أو آهةٍ متماوجة حررها فـمٌ علَّلـهُ الظمأُ أو نبضةٍ يقولها قلبٌ أضرمته نيرانُ هجرٍ" (1).
في صميمِ هذا السَّـيل الـدّافق في محراب الشعر يظهر مدى السعي الحثيث الذي سعى ويسعى من خلاله الشعراءُ المحدثون تحقيق توازن ذاتي، بهدف خلق ديناميةٍ جديدةٍ في روحِ وجسدِ القصيدةِ .. الأمرُ الذي لايعني التنصُّلَ كليّاً من ثدي قصيدةٍ رضَعنا منها جـميعاً، أو بتعبير شاعرنا رشيد الخديري "كل شاعر حديث يسكنه شاعر قديم" (2)، وعلمنا طبعاً أن "طرفة بن العبد" هـو مَـنْ سَحَرَ صاحبَنا، بدافع التشابه في المعاناة المعاشة بحسْبِ قول الكاتب أحمد شكر.

أولاً: النصوص الموازيـة:


تبقى النصوص الموازية بناءً على النظريات الغربية أرضياتٍ خصبـةً للتفكيك والتحليل ثم التوليد، لكننا نحن نبغي من وراء نظرتنا كشفَ العلائقِ والخيوطِ التي تجعل منها وحدةً متراصّـةً تحفظ للديوان انسجامَـهُ وتكـامُلَهُ.
يبدو العنوانُ وهو المشكَّلُ من كلمتين رابطاً يوحي بنوعٍ من التّساكن والاحتماء؛ إن لم نقل التماهـي .. وقد نعكسُ ذلك إذا مانظرنا صيغـةَ الجمع "حدائق"، ومن ثَـمَّ يبدو بـعدُ التِّيـه حاضراً .. مقاربةٌ تجسدها الصورة إلى أبعد الحدود، فملامحُ مكوناتـها تغرقُ في الغمـوض والتلاشـي، ولَعَمري إنها أبعـادُ تتمـاهى والمنطلقاتِ التي تشكل مادة خام لنصوص المبدع الشاعر رشيد الخديري، أما حكايةُ الألوان فجديرٌ بها أن توحي للقارئ استشرافَ الممكنِ في عالم اللاإمكان؛ وإنْ في فضاءاتِ التمـوّجِ.
عنـوانُ "حدائق زارا" يحتمي كذلك وراءَ علامـةٍ دالةٍ على معطيَـيْنِ: مكانـي ورمـزي، هذا وإنّ اختيارَه عوضَ العناوين الأخرى تُبـرزُهُ عدةُ افتـراضاتٍ، أهمها -حسْبَ اعتقادنا- قـوّتُهُ الدِّلاليةُ؛ التي تذهب إلى حـدّ تشكيل تساوُقٍ بين المكونات التالية:
حـدائـقُ = قصـأئـدُ
زارا = الشاعــر
في الوقت الذي نتحسّـسُ مدى المخاضِ الذي مـرَّ منه الشاعر رشيد الخديري - لربما - أمام هكذا اختيار، كيف لا و "الشاعر الحديث عادة ما يصطدم بتمنّع عوالم يبنيها انطلاقاً من لغة تعبيرية محتَـجبة في دِلالاتها ومتحوّلة في معانيها ومتداخلة في مقاصدها. بذلك يواجه سؤالَ العنوان مواجهةً ليست أقل صعوبة من مواجهـته لسؤال الإبداعية ذاتها وهي تعاندُهُ وتراوغـهُ قبل أن تسمح له بولوج بعض منافذها في لـحْظات سديمية غامضة" (3).
طباق من حجـر/ أقل من الجنون/ قطة/ حدائق زارا/ وصايا الشمس/ مقامات الذوبان/ أفعى الحكمة/ ضفاف المحو/ سوناتا الجذب/ غيم ومرايا/ مقـام العشق، بهذا الترتيب تشكّلت قصائـدُ الديوان، تركيباً تجمع بينها الصيغةُ الخبريةُ، فالخديري صاحبُها خبيـرٌ بها، مُخـبِرُنا عنها، ثم إنها مضافةٌ إذا مااستثنينا البُعيض منها (أربع قصائد)، وكلُّها تَـنشُدُ تمام المعنى إذا ماأزلنا عنوان "قطـة"، العنوانُ المكثفُ دِلالةً كنصّـهِ:
لاتلمسي جبهة التّل
على الأقل
أنتِ قطةٌ وهو تـل (4)
أما بُعدُهـا الدّلالي فنراه لصيقاً بذاتية الشاعر في علاقتها بالنص اللاحق؛ إذا ماسلّمنا مع الشاعر عبد الهادي روضي أن المجموعة تشكل مرتعاً لانكتاب الذات الشاعرة، ضمن قراءتـه "كتابـة الذات فـي مجموعة" حدائق زارا" الشعرية - ثنائية النفي والإثبات/ الجزء الأول.
كلُّ هذا وغيرُهُ مما قد يشكل افتراضاتٍ تَـزْعُـمُ تِبيانَ الخيوطِ التي تنسُجُ علائقَ بين العناوين لايعدو كونُـهُ جانباً من جوانبِ دراسة العنوان الشعري من خلال تحديد حدوده وتمفصلاته (5)، لكن يبقى أن "الباحث ليس مطالباً بأن يدرس أبعاد العنوان مجتمعةً؛ إذ له أن يركز على مايراه منها أكثر تمثيلاً للمقاصد التي يريد أن يحققها في تحليله أو على تلك التي يرى أن النص بعنوانه أكثر تركيزاً عليها" (6).
بعدَ نصَّـي وجه الديوان (العنوان والصورة)، وقبل التوقف عند الإهداء باعتباره حسْبَ بعض النقاد نصّاً موازياً، نشير إلى مسألة تجنيس النص بورود كلمة "شعـر" أسفل الصورة، هذا وقد أَظْهَـرَ الوجهُ أيضاً اسم مالك الحدائق رشيد الخديري.
الإهداءُ (= إلى امرأة من برج الشمس)، على غرار العنوان يكشف بُـعدَ التقـابل؛ هذا الذي نظنهُ التيمـةَ الرئيسةَ في ديوان صاحبنا، فالمرأةُ التي من برج الشمس تفيد التحديد كما تعني التعـدد؛ فلأنها من برجٍ محدّدٍ فالشاعر يعرفها، ولأن البُرجَ عند المنجّمين مِقْصَـلةٌ تضم كثيراً من المنخرطين تظل مجهـولةً؛ إنها الحقيقة والوهم، المعرفةُ والجهـلُ، هذا ويجوز القولُ؛ إنه إهداءٌ لامرأةٍ غير موجودة، ينشُدُ الشاعر ولادتها، وَلِـمَ لاتكون أيضاً القصيدة لجامع الأنثوية ..!، قصيدةٌ يُـهدي إليها الديوانَ؛ لأنه لم يكتبها.

ثانياً: المحكي الشعري وتيمةُ التقـابل:


أولاً؛ لأننا نؤمن بعدم جدوى الحديث عن الفصل بين اللفظ والمعنى، وهي ظاهرةٌ جرجانيةٌ (7) أتت تتويجاً لاختلاف ابستيمولوجي في كل أطياف العلوم؛ من فقهٍ، لغةٍ، علمِ كلامٍ وفلسفةٍ، فإننا سننظرُ إلى البُـعْدَيْنِ معاً وهما متجسّدان فـي "حدائق زارا".
ثانياً؛ لانظن حديثاً يعدو مقبولاً أمام هكذا كتاباتٍ شعريةٍ يجسّد الفصلَ بين روحٍ وجسدٍ، في الوقت أيضاً الذي تكون الذات المتشظيةُ مركزَ انشغال اللغة والموضوع، هذا وإنّ إبرازَ تيمةِ "التقـابـل"؛ التي تكون أرضيتُها ذاتا جريحةً يحتم على القارئ الأخذ بعين الاعتبار مايشكل بؤرةَ الوجود (الجسـد والروح).
الجسـد = اللفظ = الوعاء
الـروح = المعنــــى
ثالثاً: قد يَظُـنُّ القارئُ كما اعتُـقِدَ نقداً أن المحكي الشعري ينزع إلى البحث عن الشعري في الحكي، ومـن ثَـمَّ يَـجُـرُّ على الكاتب الفرنسي جان ايف طادييهJean-Yves Tadiè أمرَ تأسيسه لـ"قصيدة النثر"، ضمن كتابه "المحكي الشعري" Le récit poétique، فقط لأنـه -حسْبَ الدكتور عبد الرحيم كلموني- "كتابٌ يتميّزُ بنزعةٍ شاعريةٍ وانفلاتٍ من أسْـرِ التِّـقْنوية، في محاولة الكاتب (صاحبه) تلمُّسَ معالم جنس أدبي ملتبس، يوجد بين تخوم الرواية والقصيدة" (8).
تحديداتٌ ومزاعـمُ كثيراً ماتدفع المتتبعَ إلى عكس السؤالِ بـسؤالِ البحث عن الحـكي في الشعري، خاصة أن طادييه كاتبُ سيرة، ثم إننا إزاء ديوانٍ تتربعُ الذاتُ عرشَ كرسيّ قصائدِه.
يشكّلُ ديوان "حدائق زارا" الفضاءَ الشعري الذي من خلاله نتلمّسُ شعريةَ المحكي الشعري، بدءاً بكيفيةِ توظيف الشخوص، طينيةً كانت أو أسطوريةً، مروراً بتشكيل الفضاء، الزمان، البنية، الرمز، ثم إبراز التعامل مع اللغة .. كلُّها محدداتٌ يظل حضورُها مكسواً برداء تيمة "التقـابل".
تَظـهرُ الشخوصُ في قصائد زارا بصور مختلفةٍ، قد تعكسُ تلك التي كانت عليها قبلاً؛ لأنه أمام محاولات متكررة لصنع عالم غير موجود، نجد الشاعر يوظف الشخوص توظيفاً نابعاً من الحلم، لامن الإدراك بحسب تعبير طادييه (9).
هناك خلف سياج الحديفة
تتمدد اوليفيا
هاأنا متعبٌ يازارا
أفسر رؤيا الليل
بأشجار هوميروس (...) (10).

نمْ هانئاً ياقاسم حداد

قد تزوج قيس بحيـرتي
لم تعد ليلى سوى سقـطِ مـتاعٍ
(.........)
طاليسُ ياوجع أيامي
أسكن الريح مثل الرعاة (11).

ماقالته النوارس لبحار ماياكوفسكي
لي قصبة من هواء
ورائي هيلين ترقُصنـي (12).
يتضح أن هناك استحضاراً لشخوصٍ من أزمنة متباعدة ومن وضْعياتٍ مختلفةٍ .. وقالبُ استدعائها يراه الشاعر سفينةً يمكن امتطاؤها لتجاوز عَـقْبـاتِ واقعٍ كسّـرَ أضلُعَـهُ.
الطفولةُ برمزيتها البريئةِ يجعلها الخديري تمنح له هواءً طَـلْـقاً للتنفس، ثم لـ: التصوّف والغربةِ والتصرّفِ.
تصوفت
تغربت
تصرفت
كطفل تضيـع منه مفاتيح الغواية (13).
هذا وإنّ حلمَ الطفولةِ يتكسّرُ مع قساوة الزمن، ليَظْـهَرَ التقـابلُ. ثم إن الجهل بالذات والبحثَ عن حقيقتها أمام هكذا تشظي وانشطار يظل البؤرةَ التي تشكل قصيدةَ "وصايا الشمس".
وأنا من أنا
من ذكاء المرآة: هذا جسدي
(..........)
وأنا من أنا
من حكمة النار
(..........)
وأنا من أنا
من انشطار المعنـى، أحيا
لكي أَفنى
ليبقى سؤالُ الكينونة مستمرّاً (= وأنا من أنا)، لتنتهيَ به القصيدةُ (14).
وفي تداخل بين الفضاء وتيمة التقابل نعاينُ في قصيدة "حدائق زارا" تشكّلاً لغوياً يُضْمـرُ فعـل التردد:
الشرق الشرق
الغرب الغرب (15).
إلا أنه سرعان ما ينصهرُ ليتبدى الحلمُ كخيطٍ أبيضَ وسْـطَ سماءٍ ظلّلتها الغيومُ ( الغرب الحلم)، حلمٌ مرفوقٌ بالرحيل المـرّ، تاركاً وراءهُ شرقـاً ملغـوماً ( الشـرق اللّغـمُ).
ولإظهار التقابل الممزوج بنسيج الفضاء، ننظُـرُ التشكيلةَ الدّلالية التالية:
الشرق (= فضاء) # الغرب (= فضاء)
اللغـم (= رفـض) # الحلم (= طموح)
يرى طادييه أن نظام التقابل ليس نابعاً من تجربة معيشة؛ بل إن بناءه راجعٌ إلى التقابلات المعجمية والتركيبية وكذا الصور وسير المحكي، أي مايمكن إجماله في ظواهر اللغة الأدبية (16).، إلا أننا مع "حدائق زارا" نجد التجربة الذاتية هي مَـنْ استدعى تلك التقابلات، علماً أنها محدّداتٌ تختلف من شاعر لآخر، فما يراه الخديري شرقاً، يراه غيرُه غرباً، وما يصطبغُهُ بالغربِ ينظرُهُ الآخر شرقاً.
لاأعتقدُ وجودَ فصلٍ إجرائي بين الفضاء والزمـن داخل المحكي الشعري؛ لأن"التقابـل بين فضاءات حميميةٍ وأخرى معاديةٍ يوازيه التقابلُ بين لحْظـاتٍ سعيدة وأخرى شقية مثلما أن الفضاء المتقطع يستدعي زمناً متقطعاً هو الآخر" (17)، لذلك فما حققه الفضاء من تقابل داخل "حدائق زارا" يفعله الزمن أيضاً، فالحديث عن شرقٍ مبغوضٍ وغربٍ مأمولٍ يؤطّـرُهُ الزمن الحالي، أما ماضياً فالصورةُ معلومةٌ.
فالزمن وهو مرتبطٌ بعمر الإنسان، والطفولةُ وهي الإطلالةُ الأولى في عالم مظلم، يُظْـهران التداخل ومـن ثَـمَّ التـقابلَ في ينابيع "حدائق زارا"، طفولةٌ كلُّها حلمٌ ونورٌ، وزمنٌ كلُّـهُ بطْشٌ واعتداء.
طفولتي شكلُ البحر
أتقوس
أتوسد
عشب ذاكرتي
وأعلن:
هذا ماتبقى من تاريخ
يصادر الشمع ويتلو على المصلوبين آية
الريح (18).
إذا كانتا حديقتا: "أفعى الحكمة وضفاف المحـو" تحتفيان بـ"الجسد"، احتفاءَ جنازةٍ لااحتفاء ولادة؛ فإنهما أيضاً يكشفان بكثافة البُـعد الرمزي ضمن مكتوب الخديري.
هذا الجسد لوحُ وصايا
حروف صلّت في محراب اللغة
كلما مسّني غـزل
توّحدت في البياض (19).
وفي قصيدة "ضفاف المحـو" ورد:
كسّرتُ يوماً إبريق المعاني
تنـاثر اللفظ شظايا (20).
هذه الأسطرُ الشعرية وغيرها تخترق المتعارَف عليه لغوياً لتَرمُزَ بإيحاء عميقٍ إلى أنّ غيرَ الممكن ممكـنٌ، وأن مانظنّـهُ مستحيلاً يتراءى أمامنا شبحاً مُخيفاً.
تظـهر في الأفق
غارات المحـو (21).
إن الحديث عن البنيـة داخل "حدائق زارا" هو حديث عن الوظيفة الشعرية، التي نستوحيها من "المحكي الشعـري"، بنيةٌ تجعل من لون القصيدة يتبدّلُ وفْـقَ وضعيات شعرية مختلفة .. إنها البنية المنحازة إلى "كثرة البياضات والفراغات والتقطعات وسيادة التفكك إلى حدّ يوحي ظاهرياً بالعبثية" (22).
فـالصّفْحات: (07/ 09/ 10+ السطر السادس منها/ 13/ 14/ 15/ التشكيلة اللغوية ص: 22/ 26/ 27/ 28/ 30/ 32/ 35/ 36/ 37/ 39/ 42/ 43/ 44/ 45/ 46/ 54 )، تجعل القارئَ يـتيه أمام كثرة بياضها ويحتار أمام رمزها الـمُضْـمَرِ؛ ومن ثمّ يستكينُ ليشاركَ إليـوت قـولَهُ "ويبقى الشعـر نصا (قـد) يحمل الكثير من الخفايا والإبهام".
أما عن التقطعات وسيادة التفكك فهي الأخرى لها حضور ضمن الحدائـق.
يحتويني
ال
غ
ي
ا
ب (23).
حروف لم تعد بطلسمها المعهود، إنما باتت تحمل أكثر من دِلالة؛ لأنّ "تقسيم الكلمات المفردة تبعاً لحروفها حيث يصبحُ لكل حرف هيبتُه الخاصةُ وثقلُـه المميز الذي يمكن موازنته بثقل المفردة بكاملها: يصبح للصوت الأهمية ذاتها التي تكتسيها المفردة" (24).
يذكرُ الشاعر في مستهل قصيدته "حدائق زارا" حروفاً باسمها لابرسمها، الأمرُ طبعاً ينحو منحى مغايراً لما عليه السابقة، نظنّـهُ يربطها بـبُعد الرؤيا؛ حيث طغـى على نصِّها مايوحي بذلك (أفسر/ رؤيا/ تعاليم/ معجزة/ ...).
هذا عن تشتت الفونيم أما توزيع المونيمات على أسطُر تتفرّدُ بها فظاهرةٌ لاغَـرو تُـلفتُ نظر القارئ، ولعلّها دِلالياً توحي بما يعتملُ الذات من انشطار.
في السياق ذاته نلحظ ضمن قصيدة "مقامات الذوبان" تَكراراً يهدف إلى "إحداث أثـرٍ شعري قبل كل شيء" (25)، ويكشف أيضاً الامتداد الذي يُحَصّـلُهُ الشاعـرُ بين عناوينه ونصوصه الملحقَة.
الذوبـان = الغياب =

ال
غ
ي
ا
ب


عـلى سبيل الخـتم:

لاأعتقـدُني نِلتُ كـلَّ نِعَـمِ "حدائق زارا"، فهـي متعددةٌ، متشعبةٌ، صعبةُ المِـراس، لكـني معها عشتُ شغفَ الشعـر، ألم يقل إليـوت: "إنّ بعض الشعـر الذي شغفني هـو شعـرٌ لم أفهمـه من أول قراءةٍ، وبعضُـهُ شعـرٌ لاأحسَبُنـي أفهمُـهُ حتى اليوم".
ليس الكلام هنا من باب إيلاء رشيد الخديري ماهو بعيدٌ عـنهُ، فنـحن أمام تجربة شعرية تسعـى تشكيلَ دربٍ يجاور دروبَ شعراء كبار .. تَتَـحيَّنُ رسـمَ لوحـةٍ تتفـرّدُ أسلوباً وبناءً، إننـا معـه ولسان حاله يردد مع رامـبو: "إننـي مخـترعٌ ماأنا جديـر به، مختـلفٌ تماماً عن جميع مَـنْ سبقـونـي".

**********

هـوامشُ ومـراجـعُ:

*: ديوان طُبِـعَ سنة: 2008م.
(1): ضمن "قراءة في فحوى الشعر" للكاتب العراقي زيد الشهيد.
(2): ضمن "المنعطف الثقافي"، السبت - الأحد: 3 - 4 يناير 2009م عدد: 226، ضمن نص - خبر: أحمد شكر.
(3): "الشعر العربي الحديث" دراسة في المنجز النصي، رشيد يحياوي، طبعة: 1998، أفريقيا الشرق، ص:107.
(4): الديوان، قصيدة "قطة"، ص: 19.
(5): لأنه لدراسة العنوان الشعري دراسةً شاملةً بتصوّر رشيد يحياوي هناك ثلاثة أبعاد (تجاور العناوين/ نصية العنوان/ العنوان والنص).
(6): "الشعر العربي الحديث"، مرجع سابق، ص: 112.
(7): هذا الموضوع تطرقنا إليه بشكل مفصّل ضمن مقال مطـوّلٍ، عنوانه: "التمثل البياني في المشروع الفكري لمحمد عابد الجابري - كتاب "البنية" نموذجاً"، مقال سيُـنشر ضمن أحد الأعداد المقبلة في مجلة "عالم الفكر" الكويتية.
(8): ضمن مقال "المحكي الشعري" للدكتور عبد الرحيم كلموني، مقال يلخص فيه ماأتى به طادييه في كتابه الذي يحمل المقال عنوانه.
Jean-Yves Tadiè : Le récit poétique, puf, Paris, 1978- P: 24. (9)
(10): الديوان، قصيدة "حدائق زارا"، ص:21.
(11): الديوان، قصيدة "سوناتا الجذب"، ص: 47.
(12): الديوان، قصيدة "غيم ومرايا"، ص: 51.
(13): الديوان، قصيدة "مقامات الذوبان"، ص: 31.
(14): الديوان، قصيدة "وصايا الشمس"، صفحات: 25/ 26/27/ 28.
(15): الديوان، قصيدة "حدائق زارا"، ص:22.
(16): " Le récit poétique"، مرجع سابق، ص: 73.
(17): ضمن مقال "المحكي الشعري" للدكتور عبد الرحيم كلموني.
(18): الديوان، قصيدة "غيم ومرايا"، ص: 50.
(19): الديوان، قصيدة "أفعـى الحكمة"، ص: 33.
(20): الديوان، قصيدة "ضفاف المحو"، ص: 39.
(21): نفـسه، ص: 41.
(22): " Le récit poétique"، مرجع سابق، ص: 131.
(23): الديوان، قصيدة "مقامات الذوبان"، ص:32.
(24): اللغة الشعرية في (قصائد كاتمة الصوت)، للكاتب ابراهيم الحجمري.
(25): ضمن مقال "المحكي الشعري" للدكتور عبد الرحيم كلموني.


ذ- محمـد بوشيخة
كاتـبٌ من المغـرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق