الثلاثاء، 30 يونيو 2009

الساعات المـؤدّى عنـها ومـدى معيـارية مبـدأ تكـافـؤ الفـرص، التـقييم، التـوظيف وأمـور أخـرى ..

الـسـاعات الإضافية المـؤدّى عـنهـا ومـدى مـعيارية:
مبـدأ تكـافـؤ الفـرص / التـوظيف / التـقييم، وأمـور أخـرى

قيل، لتعرف رُقـي أمة ما، اسأل عن مستوى تعليمها .. فالمجتمعات العالمية تولي أهمية قصوى لتحسين تعليمها والنهوض به بعد تطبيبه لمواصلة ركب التقدم والتحضر .. فهذا ينظر في البنيات الأساس (فضاءات / وسائل / أجهزة / ...)، وذلك يبحث في الخلل ضمن أحد عناصر العملية التعليمية التعلمية، أعني المربي عفواً المعلم - الأستاذ .. وطائفة أخرى تشكو أمرها لله مما تفعله بعض القنوات التلفزية وشطْحَات القافلة المجتمعية المعطوبة بأبنائها.
علَّنا نرى الآن أن كل تخبّط وتشرذم يواجهه حقل التعليم فهو لايخرج عن أقطاب ثلاثة: المعلم / المتعلم / الكتاب - الوسائل - المؤسسات باعتبارها بنية، وللخروج من أزمة القطاع لابد من النظر في هذه الأشياء مجتمعة، والسعي وراء مدّ اليد إليها.
في المجتمع المغربي توالت الإصلاحات وتعالت الصّرْخات .. وأردنا نحن - المغاربة -، أقصد المسؤولين فك لغز القضية - المعضلة ففشلنا، والعلة في ذلك تكمن في عدم نجاعة مانقدمه من دواء .. مادامت العقليات معظم العقليات لاتؤمن بالإصلاح .. وإن كان هنالك من استثناء فهو الاستثناء الذي لم يتشرّب بعدُ مغزى مانرمي إليه ومن ثمّ لايعي معنى الإصلاح ..!.
قلت مادامت العقليات كذلك فالمشكل عويص والأعوص منه عندما تجد طائفة تتحمل قسطاً من المسؤولية تزيد الطين بلّة، وقناعتها - للأسف - تتلخص في العبارة المغربية الدارجية المتداولة " غِـيرْ تْـفُـوتْني اُوتْجي فـمن بْغَـاتْ " = تبتعد عني المفسدة ولتلتحق بمن تريد .. دون أن يدري هؤلاء أن مثل هذا الكلام هو الذي أوقَـعنا فيما نحن فيه، وأن المشكل يُـسْهم فيه كل طرف وإن اختلفت مستويات المسؤولية.
يقول هؤلاء: مادامت المؤسسات لاتقدم ولاتؤخر شيئاً سأضيف لأبنائي دروس الدعم والتقوية ..!، ونسواْ بأن هناك فضاءً بمكنتهم التحرك من خلاله للنهوض بالمؤسسة التعليمية والمشاركة في الإصلاح، أقصد جمعية آباء وأولياء التلاميذ.
في المقابل يقول آخرون؛ الذين يستفيدون من الوضع من الوِجهة المعكوسة .. لماذا لاأضيف ساعات للدعم والتقوية والحقيقة أنه يفعل ذلك ليقوي ويدعم نفسه ..!
لانرغب في هذا المضمار مباشرةَ موضوعِ التعليم بما يحمله من تناقضات واختلالات وتموجات بات من الصعب ائتمانها .. فقط قلنا كل ماسبق لنمهد لجرثومة تُـسْهم بطريقة أو بأخرى في الدفع بالقافلة إلى المنحدر .. تلكم الجرثومة ترتبط بما ينعت بــ:

الساعات "الـسْـوايْـعْ" الإضافية المؤدى عنها:

ترانا آنفا خلُصنا إلى التركيز على قطبين أساسين في العمليـة التعليميـة التعلميـة: المعلم - الأستاذ و التلميذ؛ هذا دون أن نغفل القطب الآخر .. فموقعه فيما نرغب الحديث عنه بادٍ للقريب والبعيد عن أسرة التعليم ..
التلميذ؛ هذا الكائن الذي لاحول ولا قوة له في كل ما يقع جُعِلت جمعية آباء وأولياء التلاميذ منبراً للدفاع عنه وحلِّ كل مشاكله، ذاتية كانت أو علائقية، أفقية أو عمودية .. هذه الجمعية التي ركز عليها الإصلاح الجديد - القديم " الميثاق الوطني للتربية والتكوين "؛ إذ مساهمتها بادية للعيان للخروج من الكثير من العقبات والمعوقات ..، ولست هنا مستعدّاً للوقوف عند كل قُدْراتها في ذلك .. ثم إن هذا يحتاج إلى موضوع خاصٍّ لاتسعه صفْحات جرائدية، وإنما نحن سنبدي دورها في الخروج من معضلة الساعات الإضافية المؤدى عنها.
وحتى نبرز ذلك - تاركين الحديث عن القطب الآخر (المعلم - الأستاذ) حتى حين - دعونا نطرح جملة من الأسئلة تكون منطلقنا:
+ أليس الأب مسؤولا أمام تأخر مستوى ابنه الصفي .. وهو الأمر الذي يدعوه إلى الاستعانة بالساعات الإضافية المؤدى عنها كحلّ تطبيبـي ..؟.
+ ألايعد الأب عضواً ضمن جمعية آباء وأولياء التلاميذ ومن ثمَّ مسؤولا عن تحريكها وتفعيلها..؟.
+ ألم يفطن الولي / الأب بعدُ لدور المؤسسة التعليمية ويجعلها أولى الأولويات ..؟.
+ متى كان الولي / الأب مسؤولا بالمعنى المباشر للكلمة .. ألا يعدُّ حينذاك طرفاً يُسْهِمُ من جانبين في تأزّم الوضع ..؟.
بالنظر في هذه الأسئلة نكون قد كونا أفُق انتظار عن الذي يخطّها، من قبيل، إنه يحلّل الأمور بشكل سطحي أو إنه يمارس نفاقاً اجتماعياً لم يعد أحدٌ يجهله .. قد يكون هذا الكلام صحيحا .. لكن دعني أقول إنه لم يعد أحد يجهل المسببات الأصل في كل مشكل مجتمعي .. نحن لانغفل جريان الجهل في دماء عروق آبائنا .. ولاننسى أن مشكل الفقر أَبعَدَ هؤلاء الآباء عن مثل هذه الاهتمامات التي ندعيها .. ولاندّعي أن الجهات المسؤولة لاتعي مكمن الخلل.
لكن مع كل هذه الحالات فنحن نعوّل على الضمائر الحية التي توازي بين كل الحاجيات وتراعي مصلحة الوطن أولاً التي ضمنها مصلحة أبنائه / شبابه.
فجمعية آباء وأولياء التلاميذ بمقدورها إيقاف زحف شبح الساعات الإضافية المؤدى عنها وفْقَ اتجاهين:
الأول: من حق هذه الجمعية؛ حيث إنها التي تحضُر لقاءات المؤسسات التعليمية في شخص ممثلها أن تطالب المؤسسة بمحاسبة أطرها عن عدم القيام بحصص الدعم والتقوية في الوقت الذي يشكل هذا مطلباً هامّاً ضمن مطالب الإصلاح .. ومَن يشكل أحد هؤلاء المعنيين - أقصد الأطر - فهو يعرف أن الدعم يُدرَجُ كحصصٍ ضمن استعمالات الزمن دون القيام بذلك، واعتبار تلك الحصص شاغرة؛ هذا طبعاً إن لم يستوف المعني بالأمر السقف القانوني لساعات العمل ( أربعة وعشرون ساعة في الأسبوع ).
الثاني: بِمَكْنَةِ هذه الجمعية ضمن قانونها الداخلي أن تسطّر بنداً يرمي إلى متابعة - متابعة قانونية؛ وهذا من حقها إن استطاعت أن تبرّر الدواعي والأسباب - مَن يُقبل على الساعات الإضافية المؤدى عنها، خاصة إذا كان المعلم - الأستاذ هو نفسُه الذي يجمع بين المهمتين (التدريس وامتهان مهنة استنزاف الأموال من جيوب مَن يملك ومَن لايملك)، وفي هذه الازدواجية الطامة الكبرى؛ إذ من خلالها لم نعد نستطيع الحديث عن مدى معيارية التقييم، وهذا ماسنوضحه أثناء الحديث عن القطب الآخر.
لاأظنك غافلا عن كوننا هنا نمزج بين أمرَين في تناول الموضوع، التشخيص وإن بطريقة ضمنية ثم كيفية المعالجة وهذا بشكل مباشر، وبعد أن قدّمنا طريقين يمكن سلوك إحديهما من قِبَلِ جمعية آباء وأولياء التلاميذ دون ادّعاء أنهما فقط السبيل الأوحد للمعاجة .. فهناك وسائلُ واتجاهات أخرى لسنا بحاجة لذكرها حتى لانجعل من الأمر عويصاً يُفشِل منذ الوهلة الأولى رغبات تشعر بثقل المسؤولية وتندم عما فات وتنشد الإصلاح والتغيير غير آبهة بالقول القائل: "اللِّي اعْطْ الله اعْطاه".
قلتُ، بعد أن قدمنا ذلك سنقف عند مربي الأجيال وماأدراك مامربي الأجيال ..! لنُظهِر عورَته في هذا المجال ولاأخجل من قول كلمات جارحة؛ حيث أعتقدني مسؤولاً عما يجري إن لم أدافع بالقلم وهو أضعف الإيمان ..! .. في الوقت ذاته لاأظن كل المربين ينخرطون في هذا المجال، فهناك والحمد لله ذوو ضمائر وعقليات تنويرية وحس وطني لايمكنهم أن يكونواْ أنانيين لدرجة لايرون فيها إلا مصلحتهم، ومن ثمَّ يُسْهمون في تعكير الماء الذي بات من الضروري تصفيته.
الذين انخرطوا في الساعات الإضافية المؤدى عنها، وأخص بالكلام اُولئك الذين يمتهنون مهنة التدريس (معلم - أستاذ واحد والتلاميذ أنفسهم يدرسون عنده ويتابعون معه الساعات الإضافية خارج المؤسسة)، لاأعتقد أنهم يجهلون كونهم يضيفون تلك الساعات لتقوية ذواتهم ماديّاً ليس إلاّ ..!، نعم لهزالة أجور المدرسين لكن البديل ليس هو هذه الساعات، خاصة أنها تقف حجرة عثرة أمام نقط كثيرة نصّ عليها الإصلاح أوبالأحرى تهدف إليه؛ من بينها:

- مبدأ تكافؤ الفرص / معيارية التقييم / التوظيف وأمور أخرى.

كيف ذلك ..؟، إذا علمنا أن الساعات الإضافية المتحدَّث عنها ينجزها نفس الأستاذ الذي يدرس مادة بالمؤسسة، وتبيَّنا أن المتفوقين ضمن فصله لايتعدّون اُولئك الذين يضيفون عنده "السوايع" ماذا نفهم ..؟.
ندرك أن هذا النوع من المعلمين - الأساتذة يمارس سلطة معنوية مباشرة تجبر كل متعلميه لزيادة "السوايع" عنده، ويؤدون عنها طبعا، ساعات تتم خارج المؤسسة، ولربما في منزله؛ وحيث إن الأمر كذلك فنحن أمام وجهين لنفس الأستاذ، المتعَبُ والكسولُ داخل الفصل، والحيويُّ المجتهدُ خارجه (أثناء الساعات الإضافية)، دون أن يعي صاحبنا أنه يُكَـوِّنُ صورة مزدوجة لدى هؤلاء المتعلمين.
عندما تُكَوَّن لدى المتعلم قناعة ترمي إلى: "إذا أردت أن تتفوّق فأضِف "السوايع" وعند أستاذك بالتحديد ..!"؛ فإنه لايرى خياراً آخر غير ابتزاز آبائه؛ الذين لايرغبون المساهمة في الإصلاح؛ لينخرط ضمن قافلة المسهمين في الإفساد، ومن ثمّ يكون ضامنا لتفوقه وحصوله على معدلات عالية؛ إذ يستحيل على هذا المعلم - الأستاذ تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص ومن ثمّ دقّة التقييم وهو الذي أبرم عقداً / اتفاقاً مع آباء التلاميذ الذين يضيف لهم "السوايع" بكونهم سيتحسنون ويصبحون متفوقين، طبعا العاقل سيدرك أن تحسنهم وتفوقهم مرتبط فقط بسنة أو سنتين، اللهم إذا كان أمثال هذا المعلم - الأستاذ كثيرين، وحظُّ هذا التلميذ الجميل أنه في كل سنة يصادفهم، حتى يبلغ المراد وتنتهي سنوات الدراسة لديه ليلج مركزا من مراكز التكوين (التوظيف)؛ حيث السياسة المتبعة في هذا الإدماج هي نفسها تحتاج إلى إعادة نظر - وهذا لربما مابدأنا نشم رائحته-؛ إذ ولوج المراكز يتوقف على المتفوقين .. لكن عن أي متفوقين نتحدث ..؟، المتفوقون الآن (أي في هذا الزمن) هم الذين تحدثنا عنهم هنا إلا مَن رحم ربُّـك، وللإشارة فـ"التفوق" من حيث تشجيعُـه خُصِّصت له دعامة (الدعامة الحادية عشرة) إلى جانب التجديد والبحث العلمي ضمن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وعليه فهذه الصفة في أغلب الأحايين تُلصَق بغير مستحقيها للأسباب التي ذكرنا وسنذكر.
ومن بعد ذلك يتخرّج صاحبنا إطاراً من أطر أحد القطاعات ليعيد تجربته مع أبنائه وليمرِّر خُطْواته الناجحة - حسْبه طبعاً - لكل زملائه، هذا دون أن يعي أبناؤنا أو بالأحرى آباؤهم أن كل هذه الأشياء تُـكسِبُ أبناء المستقبل خصْلات لاعهد لنا بها؛ منها: الاتكالية من جهة الآباء وأبنائهم ثم التنصل من المسؤولية من جهة الآباء والمعلمين - الأساتذة؛ هؤلاء بعدم إتقان الواجب واعتبار الساعات الإضافية مهمّة من المهمات يستدعيها الضمير والحس الوطني، واُولئك - أقصد الآباء - تناسي أنهم المسؤولون عن مصير أبنائهم.
فالأبناء لايبغون إلا الطرق السهلة غير مدركين للعواقب، ولربما جاز القول: إن من حقهم كل ذلك مادامواْ يجتهدون ويكدّون ولايحصلون على معدّلات أو بالأحرى معدّلات عالية، فقط لأنهم لايضيفون ساعات إضافية ويؤدّون عنها عند أستاذهم ..! .. ماذنبُ هؤلاء حتى لايُنجزَ الدرس بالوجه الأكمل داخل الفصل ..!، لماذا لانعيد للفصل الدراسي داخل المؤسسة قيمته وهيْـبته ..؟!، ونجعل منه منطلقاً حقيقياً لتكافؤ الفرص وتسلق الدرجات العليا، ومن ثـمَّ إعطاء المناصب لمستحقيها ..!.
ألم تكن تلك الفصول الدراسية - العمومية هي التي قدّمت لنا أدباء ومفكرين ونقادكبار من أمثال: محمد زفزاف، محمد شكري، محمد عابد الجابري، محمد سبيلا، رشيد يحياوي، نجيب العوفي، ... واللائحة طويلة، دون اللجوء إلى تلك المخافر اللامسؤولة .. نحن لانجهل كون هذه الساعات يقوم بها أيضاً بعض الذين رمت بهم الجامعة في الشارع، فهؤلاء لايمسهم كلامنا في شيء، اللهم إذا شاركواْ في ماننبذه كأن يتعاقدوا - مجرد التفاهم - مع أحد المعنيين بالأمر؛ هذا الذي يدعو تلامذته بالتوجه إلى صديقه والنتيجة واضحة طبعاً.
ومكمن الخلل حقيقة يكمن في العقليات، وهذا مانبهنا إليه بداية؛ بل هذا مادفع محمد عابد الجابري ليشن هجمة على العقل العربي ( = مشروع نقد العقل العربي )، طبعاً الأمر مع الجابري أشمل وأعم، أضف إلى ذلك الفارق الزمني بين ذلك ومانحن فيه؛ في الوقت الذي لايعني هذا أن لاعلاقة بين ذلك وهذا؛ حيث كثيراً ماأشار المفكر نفسُه في مواضع ومواضيع مختلفة إلى تلك العلاقة (= جعل المقروء معاصراً لنفسه ومعاصراً لنا في الوقت ذاته) ، وفي شرحه لـ"معاصراً لنا" يقول: "بمعنى النظر إليه نظرة تاريخية تعتمد على إضفاء المعقولية على الشيء المقروء، وبالتالي البحث فيه عما يمكن أن يساهم في إعادة بناء الذات العربية وهي المهمة الملحة المطروحة في الظرف الراهن" ، نعود للقول إذْ ماالسبيل إلى متابعة كل من يُـسْهم في الأزمة؛ في الوقت الذي يكون فيه الخلل والمشكل أعمق مما نعتقد، وإن كان ذلك كذلك فهو لايعني الاستكانة والتقاعس وماشابه ذلك؛ بل الأمر يتطلب جَهداً جهيداً للخروج من كل الأزْمات.
أخيرا لاآخراً، هذه بعضٌ من خبايا ماتتخبّط فيه مؤسساتنا التعليمية، أما الحديث عن كل شيء فيتطلب فريق عملٍ أطرافه تتـكون من كل أطياف المجتمع، تربويـون، آبـاء، مسؤولون، تـلاميذ، غيورون (= متتبعون من جمعيات مدنية).


******************


أ - " مدخل إلى القرآن الكريم، الجزء الأول في التعريف بالقرآن "، الطبعة الأولى: سبتمبر 2006م، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، للأستاذ محمد عابد الجابري.
ب - كيف نتعامل مع التراث ؟، ... ولأن العقلانية ضرورة !، سلسلة مواقف، لمحمد عابد الجابري، العدد الخامس عشر، الطبعة الأولى، مايو: 2003م، صص: 53 / 54.

* * *

مــلاحظة: لماذا نكتب " المعلم - الأستاذ"، ونحن نعلم ألا فرق بينهما وإن اختلفت التسمية، نكتبُ ذلك فقط للإشارة إلى أن الفعل المبخوس
الذي شكل موضوع حديثنا يتم في جميع الأسلاك (= ابتدائي / إعدادي / ثاننوي تأهيلي)، ومن ثـمَّ من قِبَـلِ المعلم والأستاذ.

إشـارة: نُشِـرَ المـقالُ بتاريخ: 10 / 11 مارس 2007م، العدد: 140، جريدة المنعطف.

ذ - محمد بوشيخـة
كاتب من المغرب

ليس دفاعـاً عن المرأة إنّـما إنصـافٌ لـهـا ..!! - دراسة نقدية اجتـماعية

ليس دفـاعـاً عن الـمرأة، إنّـما إنصـافٌ لـها ..!!


لاغرابة في تأخر المجتمعات العربية المتأسلمة في الوقت الذي ماتزال المرأة دربا مخيفا في ليلة مظلمة؛ إذْ "كيف يكون مجتمع، أي مجتمع، شبكة متينة من العلاقات الإنسانية الخلاقة إذا كان نصف منه لايرى في النصف الآخر إلا ذئابا مفترسة، وبيوت عناكب من الفولاذ المحبك لاصطياده، ومنابع للخطيئة تتفجر من مسام الأجساد ؟"[1].
يخشى رجال اليوم من المرأة، صديقة كانت أو زوجة، قريبة أو بعيدة، لالشيء إلا لأن بعض الكتب المقدسة أثبتت من جانبها مدى خطورتها وعاطفيتـهــا
[2]، فأم البشر دفعت بأبيهم إلى الأكل من الشجرة وارتكاب الخطيئة الكبرى؛ التي أخرجت الإنسان من الجنة ورمت به في جحيم الأرض، ناسين أن تلكم -ربما- حكمة من حكم الخالق. وزوجة العزيز أرادت من يوسف عليه السلام أن يُـوقِعها؛ إلا أنه رأى برهان ربـه فامتنع عن ذلك، قال تعالى: {قال ما خطبُـكُنَّ إذْ راودتُـنَّ يوسف عن نفسه قُـلنَ حاش لله ماعلمنا عليه من سوء، قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودتُـه عن نفسه وإنه لمـن الصادقين (51)}[3]، قال أيضا: {ولـقد همّت به وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربـه، كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء؛ إنه من عبادنا المخلصين (24)}[4].
من جانب آخر نسي هؤلاء أن الرجال صنفان: مَـنْ يتبع الهوى (أبونا آدم مثلا)، ومَـنْ يُـحكِّم العقل (سيدنا يوسف).
فأبو البشر وأولهم ظهوراً وقع في مصيدة الأنثى، لكن من أبنائه (يوسف) مَن تعلّم من خطئه، وهذا مبدأ يجب أن نُقـرّه، قال الحق سبحانه: {يابنـي آدم لايَـفتِنَـنَّكُم الشيطانُ كما أخـرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليُريَهُمـا سـوْءاتهما؛ إنه يراكم هـو وقبيله من حيث لاترونهم، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذيـن لايؤمنون(27)}
[5].
صحيح أيضا أن بلقيس ملكة سبأ فتنت سيدنا سليمان لما كشفت عن ساقيها، لكنه إعجاب أثمر زواجاً ولم يأت بخطيئة، قال الخالق: {قيل لها ادخلي الصَّرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح مُمَرَّدٌ من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت لله رب العالمين (44)}
[6].
فهذه أمثلة
[7] وغيرها حمَّلت المرأة أكثر مما تحتمل، وجعلت منها ذئباً مفترساً يهابه الرجل، علما أن مصدر الخوف إنما يبقى حبيس علاقة غير شرعية يمكن أن تجمع بينها وبين رجل آخـر، فنرى بذلك أن الجانب الجنسي هو القنبلة التي تبقى دائما موقوتة في ذهنية الرجل تجاه المرأة، هنا الزوجة خاصـة.
في واقع اليوم، واقع الجري وراء الملذات الغريزية، توضع من فوق المرأة كل أوزار الخطايا الأخلاقية، فتارة هـي مصدر الفتنة، وتارة هي سائقة قطار الانحراف عن الطريق المستقيم.
أين الرجل من كل هذا ..؟، أليس مشتركاً في كل تلك الأشياء ..!؟، وكل أمر ارتبط بالمرأة إلا وَوُجِدَ معها الرجل، ألم نقل أنها أكثر عاطفة وأن الرجل أعقل منها (وهذا أمر فيه نظـر)، فلماذا لايمتنع عن الركوب كلما رأى عطباً أصاب ويصيب القطار الذي تقوده.
اليوم، نجد أن مَـنْ يدفـع المرأة إلى كل ماتُقـدِم عليه هـو الرجل، لماذا نتحدث بلسان اليوم عن امرأة فقدت شرفها، السؤال: مَـنِ المسَبِّـب ..؟، غريزتها، تهوُّرُها، هذا ممكن، لكن مـادياً مَـنِ الفاعـل ..؟، الـرجل طبعاً، لذلك يجدر بنا في إطار الحديث عن المساواة تعديل الكفة، ونقـول: كل امرأة فقدت شرفها، بكارتها، إلا ومعها رجـل ساهم أو بالأحرى تسبَّبَ في ذلك، وبالتالي فهو فاقد للشرف أيضـاً.
لماذا حصل الاختلاف بين الدافع للأكل من شجرة الجنة، هل هو الشيطان أم الزوجة أم هما معاً، حتى نحـمِّل الرجل كذلك وزْرَ مايفعل.
ظُلِمَتِ المرأة كثيراً، ولامجال والحالة هاته في الحديث عن المساواة، فنحن أبعد من ذلك، يفعل الرجل من المساوئ مالاتزنه الموازين، وعندما يُقبِـل على الزواج، يظل يبحث عـن "بنتْ النَّـاسْ" ولحظتها يتَّعـظُ ويستحـضرُ الأحاديث التي تخدمُ غايته، مـن ذلك مثلاً: {تُـنكَحُ المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الـدِّين تربت يداك}
[8] .
السؤال: غياب هذه المقاييس، خاصة الحسَب أو النسب، ألا يطرح أكثر من سؤال، وهو الأمر الذي بسطناه آنفاً، مَـن دفع بالمسكينة إلى الطرد من خانة الحسَبِ أو النسب (العفة)، أليس هو الرجـل ..!!؟.
وأنت الذي تبحث عن هذه المعايير ألا تظلم المرأة التي لاتتوفر عليها.
قد يُرخص والحالة هنا عن الاشتراك في الخطيئة (خطيئة جنسية)؛ التي تقترفها المرأة بمعية الرجل طبعاً، قد يرخص للذي قَـبَرَ نفسه وأعرض عن كل فواحش اليوم، بالبحث عن امرأة ، نعم، تتوفر فيها تلكم المعايير وأكثر، أما وأن نُسْهم في تخريب قيم مجتمع اليوم وإفسادِ بناته ونسائه ونأتي في لحظة من اللّحْظات ونبحث عـن"بنت الناس"، مع ماتحمله العبارة من دِلالة أخلاقية وثقافية ودينية و...، فهذا ضَـرْبٌ من العبث؛ بل يمكن تصنيف هؤلاء ضمن "باب الحمقى والمغفلين"
[9].
فتيات اليوم قيل عنهن الكثير؛ بل ويظهـر ذلك جليا في الشوارع والحانات والنوادي الليالية، مَـنْ منَّـا تساءل يوماً عن السبب ، أم أن الملاحظة والتمتع بالظاهرة أحجما عنَّـا السؤال، وجعلنا نشاركهنَّ السهـر والسمر، حتى إذا دخلنا بيوتنا صرخنا ومنعنا زوجاتنا من التفرج على المسلسل التركي"نور ومهند"
[10].
لماذا نبحث عن بيت نقي تسوده الأخلاق المدبلجة وننسى ذلك لما نتواجد في فضاءات عامة، حينها نبدأ في الحديث عن حرية المرأة ومن حقها أن تفعل ماتشاء؛ إنها حقوق مستحقة يراد بها، مع هؤلاء، باطل.
لنفترض جدلاً أن الإنسان العربي المتأسلم جعل من وطنه صورة لبيته، أنكون أمام الحالة هاته ..!؟، طبعا الجميع سيجيب بـ"لا"، لكن مادمنا نسيِّجُ المرأة بخيمة من الألبسة كلما أردنا مغادرة البيت فإننا نكرس القاعدة التي ترمي إلى أن "البيت شيء والخارج شيء آخر"، أو كلما غادرنا البيت إلا وتغيرت سلوكاتنا؛ بل وحتى ألفاظنا، وهنا أجدني أستحضر التلميذات اللواتي يرتدين ملابس بالبيت أثناء خروجهنّ وبمجرد الابتعاد عنه يُزلن ماأزلـن ويغيِّرن ماغيَّـرن، هذا دون أن ننسى للأسف أن معظم حقائب النساء لاتخلو من مرآة ومساحيقَ، تُستعمل حتى وإن وُجِدنَ في العمـل؛ الحالة هاته وصلت إليها مدفوعة من حال واقعِ اليوم الذي تنسجه ثنائية الرجل والمرأة.
دعنا نفترض ثانية، بناءً على الطرح الأخير، لو أن الرجل مسلّحٌ بالقيم والأخلاق، ألا يقلل ذلك أو يمنع المرأة من ارتكاب كل تلك الخطايا، وكلما أقبلت عليه امتنع بتغليب العقل لا السير مع العاطفة = (وهذا مافعله سيدنا يوسف عله السلام).
لاتقل لـي: "مايمْكْـنْشْ تْـعْرْضْ عليكْ المرأة جسدْها اُوما تْضْعافْ" .. إنْ قلت ذلك أجيبك، يمكـن، لو أنك أدركت أن خالقك لو علم عدم قدرتك لكان الأمر/ الحكم شيئاً آخـر، لكن لِعِلْمِهِ الأزلي يدرك مدى مستطاعِك فعل ذلك، فقط يمكن القول "إننا ضِعاف لابسبب أصلنا الإنساني، لكن بثقافتنا الهشة وأخلاقنا الرديئة وقيمنا الدنيئة".
كفانا خوفاً من المرأة؛ فهي ليست ذئباً، ودعونا نتحمل معهن مسؤولية ماآلت إليه القيم الأخلاقية.
النساءُ شقائقُ الرجالِ في الأحكام، صحيح، لكنّ الرجالَ شقائقُ النساءِ في ارتكاب الخطايا.
****************

[1]- كمال أبو ديب"جنازات للبراعم المحتقنة"، صص: 104 و 105، ضمن مجلة"دبي الثقافية"، العدد:39، غشت 2008م.
[2]- الأمـر هنا يخص فهم النص لا النص ذاته.
[3]- سورة يوسف، الآية: 51.
[4]- سورة يوسف، الآية: 24.
[5]- سورة الأعـراف، الآية: 27.
[6]- سورة النـمل، الآية: 44.
[7]- الأمر هنا لايتعلق بالنصوص في حدذاتها، بقدر مايتعلق بفهمها.
[8]- أخذنا الحديث من "سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر" لابن معصوم، الموسوعة الشعرية.
[9]- ربما سنجد صور هؤلاء ضمن كتاب "الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي، عُـد إليه وانظـر تم اتعظ.
[10]- هذا المسلسل أظهر إلى جانب "سنوات الضياع" مدى الانصياع الذي يقع فيه الرجل أمام رغْبات زوجته وبناته، لالشيء إلا لأنه يهاب ثورتهنّ وغضبهنّ، وهذا وجه آخر من أوجه الخوف من المرأة وإن من جانب الاحتراز منها = (المسلسلان يُبثان خلال الآونة الأخيرة في بعض القنوات العربية، ويشاهدهما عدد كبير من المغاربة عبر الفضائيات، مسلسلان يُظهران أيضا مدى الجـوع الحميمي الذي يعاني منه مجموعة من الأزواج.
ذ - محمد بوشيخة؛ كاتب من زاكورة - المغرب
23 غشت 2008م
med-bouchikha@maktoob.com

الشعري والتيمي في ديوان " حدائق زارا " للشاعر رشيد الخديري - دراســــة نــقــديـــة



الشعري والتيمي في ديوان " حدائق زارا " للشاعر رشيد الخديري


على سبيل البدء:


لن نـردّد مع النقاد "إن الشعر ديوان العرب" ونقف؛ لأن الزمنَ ليس هو الزمن والشعرَ ليس هو الشعر، ولن نتردّد في القول مع زيد الشهيد، الكاتب العراقي إنه - الشعر- "نقيضُ الافتراضات سليلُ الافتراقات؛ ابنُ الـهَتْكِ الجَمُوحِ لسُلالة اليومي الطائع، وفاتكُ رَفْـلِ الواقع. لايقتفي خطو الرضا، ولا يجامع فتاة الـهُمُود .. في صميمه يستكين لهيبُ المنطق، وفي ثناياه تتناسلُ جذوةُ النُّطـق .. إنه النَّـظْمُ الذي يختزل عُصـارةَ الـروح ويكتنفُـها؛ حتى ليغدوَ برهـافةِ نسمةٍ هاربةٍ من كف السحر، أو خفقِ جناحِ فراشة نَـزِقَةٍ أطلقتها ضحكةُ جدولٍ بهيـج، أو آهةٍ متماوجة حررها فـمٌ علَّلـهُ الظمأُ أو نبضةٍ يقولها قلبٌ أضرمته نيرانُ هجرٍ" (1).
في صميمِ هذا السَّـيل الـدّافق في محراب الشعر يظهر مدى السعي الحثيث الذي سعى ويسعى من خلاله الشعراءُ المحدثون تحقيق توازن ذاتي، بهدف خلق ديناميةٍ جديدةٍ في روحِ وجسدِ القصيدةِ .. الأمرُ الذي لايعني التنصُّلَ كليّاً من ثدي قصيدةٍ رضَعنا منها جـميعاً، أو بتعبير شاعرنا رشيد الخديري "كل شاعر حديث يسكنه شاعر قديم" (2)، وعلمنا طبعاً أن "طرفة بن العبد" هـو مَـنْ سَحَرَ صاحبَنا، بدافع التشابه في المعاناة المعاشة بحسْبِ قول الكاتب أحمد شكر.

أولاً: النصوص الموازيـة:


تبقى النصوص الموازية بناءً على النظريات الغربية أرضياتٍ خصبـةً للتفكيك والتحليل ثم التوليد، لكننا نحن نبغي من وراء نظرتنا كشفَ العلائقِ والخيوطِ التي تجعل منها وحدةً متراصّـةً تحفظ للديوان انسجامَـهُ وتكـامُلَهُ.
يبدو العنوانُ وهو المشكَّلُ من كلمتين رابطاً يوحي بنوعٍ من التّساكن والاحتماء؛ إن لم نقل التماهـي .. وقد نعكسُ ذلك إذا مانظرنا صيغـةَ الجمع "حدائق"، ومن ثَـمَّ يبدو بـعدُ التِّيـه حاضراً .. مقاربةٌ تجسدها الصورة إلى أبعد الحدود، فملامحُ مكوناتـها تغرقُ في الغمـوض والتلاشـي، ولَعَمري إنها أبعـادُ تتمـاهى والمنطلقاتِ التي تشكل مادة خام لنصوص المبدع الشاعر رشيد الخديري، أما حكايةُ الألوان فجديرٌ بها أن توحي للقارئ استشرافَ الممكنِ في عالم اللاإمكان؛ وإنْ في فضاءاتِ التمـوّجِ.
عنـوانُ "حدائق زارا" يحتمي كذلك وراءَ علامـةٍ دالةٍ على معطيَـيْنِ: مكانـي ورمـزي، هذا وإنّ اختيارَه عوضَ العناوين الأخرى تُبـرزُهُ عدةُ افتـراضاتٍ، أهمها -حسْبَ اعتقادنا- قـوّتُهُ الدِّلاليةُ؛ التي تذهب إلى حـدّ تشكيل تساوُقٍ بين المكونات التالية:
حـدائـقُ = قصـأئـدُ
زارا = الشاعــر
في الوقت الذي نتحسّـسُ مدى المخاضِ الذي مـرَّ منه الشاعر رشيد الخديري - لربما - أمام هكذا اختيار، كيف لا و "الشاعر الحديث عادة ما يصطدم بتمنّع عوالم يبنيها انطلاقاً من لغة تعبيرية محتَـجبة في دِلالاتها ومتحوّلة في معانيها ومتداخلة في مقاصدها. بذلك يواجه سؤالَ العنوان مواجهةً ليست أقل صعوبة من مواجهـته لسؤال الإبداعية ذاتها وهي تعاندُهُ وتراوغـهُ قبل أن تسمح له بولوج بعض منافذها في لـحْظات سديمية غامضة" (3).
طباق من حجـر/ أقل من الجنون/ قطة/ حدائق زارا/ وصايا الشمس/ مقامات الذوبان/ أفعى الحكمة/ ضفاف المحو/ سوناتا الجذب/ غيم ومرايا/ مقـام العشق، بهذا الترتيب تشكّلت قصائـدُ الديوان، تركيباً تجمع بينها الصيغةُ الخبريةُ، فالخديري صاحبُها خبيـرٌ بها، مُخـبِرُنا عنها، ثم إنها مضافةٌ إذا مااستثنينا البُعيض منها (أربع قصائد)، وكلُّها تَـنشُدُ تمام المعنى إذا ماأزلنا عنوان "قطـة"، العنوانُ المكثفُ دِلالةً كنصّـهِ:
لاتلمسي جبهة التّل
على الأقل
أنتِ قطةٌ وهو تـل (4)
أما بُعدُهـا الدّلالي فنراه لصيقاً بذاتية الشاعر في علاقتها بالنص اللاحق؛ إذا ماسلّمنا مع الشاعر عبد الهادي روضي أن المجموعة تشكل مرتعاً لانكتاب الذات الشاعرة، ضمن قراءتـه "كتابـة الذات فـي مجموعة" حدائق زارا" الشعرية - ثنائية النفي والإثبات/ الجزء الأول.
كلُّ هذا وغيرُهُ مما قد يشكل افتراضاتٍ تَـزْعُـمُ تِبيانَ الخيوطِ التي تنسُجُ علائقَ بين العناوين لايعدو كونُـهُ جانباً من جوانبِ دراسة العنوان الشعري من خلال تحديد حدوده وتمفصلاته (5)، لكن يبقى أن "الباحث ليس مطالباً بأن يدرس أبعاد العنوان مجتمعةً؛ إذ له أن يركز على مايراه منها أكثر تمثيلاً للمقاصد التي يريد أن يحققها في تحليله أو على تلك التي يرى أن النص بعنوانه أكثر تركيزاً عليها" (6).
بعدَ نصَّـي وجه الديوان (العنوان والصورة)، وقبل التوقف عند الإهداء باعتباره حسْبَ بعض النقاد نصّاً موازياً، نشير إلى مسألة تجنيس النص بورود كلمة "شعـر" أسفل الصورة، هذا وقد أَظْهَـرَ الوجهُ أيضاً اسم مالك الحدائق رشيد الخديري.
الإهداءُ (= إلى امرأة من برج الشمس)، على غرار العنوان يكشف بُـعدَ التقـابل؛ هذا الذي نظنهُ التيمـةَ الرئيسةَ في ديوان صاحبنا، فالمرأةُ التي من برج الشمس تفيد التحديد كما تعني التعـدد؛ فلأنها من برجٍ محدّدٍ فالشاعر يعرفها، ولأن البُرجَ عند المنجّمين مِقْصَـلةٌ تضم كثيراً من المنخرطين تظل مجهـولةً؛ إنها الحقيقة والوهم، المعرفةُ والجهـلُ، هذا ويجوز القولُ؛ إنه إهداءٌ لامرأةٍ غير موجودة، ينشُدُ الشاعر ولادتها، وَلِـمَ لاتكون أيضاً القصيدة لجامع الأنثوية ..!، قصيدةٌ يُـهدي إليها الديوانَ؛ لأنه لم يكتبها.

ثانياً: المحكي الشعري وتيمةُ التقـابل:


أولاً؛ لأننا نؤمن بعدم جدوى الحديث عن الفصل بين اللفظ والمعنى، وهي ظاهرةٌ جرجانيةٌ (7) أتت تتويجاً لاختلاف ابستيمولوجي في كل أطياف العلوم؛ من فقهٍ، لغةٍ، علمِ كلامٍ وفلسفةٍ، فإننا سننظرُ إلى البُـعْدَيْنِ معاً وهما متجسّدان فـي "حدائق زارا".
ثانياً؛ لانظن حديثاً يعدو مقبولاً أمام هكذا كتاباتٍ شعريةٍ يجسّد الفصلَ بين روحٍ وجسدٍ، في الوقت أيضاً الذي تكون الذات المتشظيةُ مركزَ انشغال اللغة والموضوع، هذا وإنّ إبرازَ تيمةِ "التقـابـل"؛ التي تكون أرضيتُها ذاتا جريحةً يحتم على القارئ الأخذ بعين الاعتبار مايشكل بؤرةَ الوجود (الجسـد والروح).
الجسـد = اللفظ = الوعاء
الـروح = المعنــــى
ثالثاً: قد يَظُـنُّ القارئُ كما اعتُـقِدَ نقداً أن المحكي الشعري ينزع إلى البحث عن الشعري في الحكي، ومـن ثَـمَّ يَـجُـرُّ على الكاتب الفرنسي جان ايف طادييهJean-Yves Tadiè أمرَ تأسيسه لـ"قصيدة النثر"، ضمن كتابه "المحكي الشعري" Le récit poétique، فقط لأنـه -حسْبَ الدكتور عبد الرحيم كلموني- "كتابٌ يتميّزُ بنزعةٍ شاعريةٍ وانفلاتٍ من أسْـرِ التِّـقْنوية، في محاولة الكاتب (صاحبه) تلمُّسَ معالم جنس أدبي ملتبس، يوجد بين تخوم الرواية والقصيدة" (8).
تحديداتٌ ومزاعـمُ كثيراً ماتدفع المتتبعَ إلى عكس السؤالِ بـسؤالِ البحث عن الحـكي في الشعري، خاصة أن طادييه كاتبُ سيرة، ثم إننا إزاء ديوانٍ تتربعُ الذاتُ عرشَ كرسيّ قصائدِه.
يشكّلُ ديوان "حدائق زارا" الفضاءَ الشعري الذي من خلاله نتلمّسُ شعريةَ المحكي الشعري، بدءاً بكيفيةِ توظيف الشخوص، طينيةً كانت أو أسطوريةً، مروراً بتشكيل الفضاء، الزمان، البنية، الرمز، ثم إبراز التعامل مع اللغة .. كلُّها محدداتٌ يظل حضورُها مكسواً برداء تيمة "التقـابل".
تَظـهرُ الشخوصُ في قصائد زارا بصور مختلفةٍ، قد تعكسُ تلك التي كانت عليها قبلاً؛ لأنه أمام محاولات متكررة لصنع عالم غير موجود، نجد الشاعر يوظف الشخوص توظيفاً نابعاً من الحلم، لامن الإدراك بحسب تعبير طادييه (9).
هناك خلف سياج الحديفة
تتمدد اوليفيا
هاأنا متعبٌ يازارا
أفسر رؤيا الليل
بأشجار هوميروس (...) (10).

نمْ هانئاً ياقاسم حداد

قد تزوج قيس بحيـرتي
لم تعد ليلى سوى سقـطِ مـتاعٍ
(.........)
طاليسُ ياوجع أيامي
أسكن الريح مثل الرعاة (11).

ماقالته النوارس لبحار ماياكوفسكي
لي قصبة من هواء
ورائي هيلين ترقُصنـي (12).
يتضح أن هناك استحضاراً لشخوصٍ من أزمنة متباعدة ومن وضْعياتٍ مختلفةٍ .. وقالبُ استدعائها يراه الشاعر سفينةً يمكن امتطاؤها لتجاوز عَـقْبـاتِ واقعٍ كسّـرَ أضلُعَـهُ.
الطفولةُ برمزيتها البريئةِ يجعلها الخديري تمنح له هواءً طَـلْـقاً للتنفس، ثم لـ: التصوّف والغربةِ والتصرّفِ.
تصوفت
تغربت
تصرفت
كطفل تضيـع منه مفاتيح الغواية (13).
هذا وإنّ حلمَ الطفولةِ يتكسّرُ مع قساوة الزمن، ليَظْـهَرَ التقـابلُ. ثم إن الجهل بالذات والبحثَ عن حقيقتها أمام هكذا تشظي وانشطار يظل البؤرةَ التي تشكل قصيدةَ "وصايا الشمس".
وأنا من أنا
من ذكاء المرآة: هذا جسدي
(..........)
وأنا من أنا
من حكمة النار
(..........)
وأنا من أنا
من انشطار المعنـى، أحيا
لكي أَفنى
ليبقى سؤالُ الكينونة مستمرّاً (= وأنا من أنا)، لتنتهيَ به القصيدةُ (14).
وفي تداخل بين الفضاء وتيمة التقابل نعاينُ في قصيدة "حدائق زارا" تشكّلاً لغوياً يُضْمـرُ فعـل التردد:
الشرق الشرق
الغرب الغرب (15).
إلا أنه سرعان ما ينصهرُ ليتبدى الحلمُ كخيطٍ أبيضَ وسْـطَ سماءٍ ظلّلتها الغيومُ ( الغرب الحلم)، حلمٌ مرفوقٌ بالرحيل المـرّ، تاركاً وراءهُ شرقـاً ملغـوماً ( الشـرق اللّغـمُ).
ولإظهار التقابل الممزوج بنسيج الفضاء، ننظُـرُ التشكيلةَ الدّلالية التالية:
الشرق (= فضاء) # الغرب (= فضاء)
اللغـم (= رفـض) # الحلم (= طموح)
يرى طادييه أن نظام التقابل ليس نابعاً من تجربة معيشة؛ بل إن بناءه راجعٌ إلى التقابلات المعجمية والتركيبية وكذا الصور وسير المحكي، أي مايمكن إجماله في ظواهر اللغة الأدبية (16).، إلا أننا مع "حدائق زارا" نجد التجربة الذاتية هي مَـنْ استدعى تلك التقابلات، علماً أنها محدّداتٌ تختلف من شاعر لآخر، فما يراه الخديري شرقاً، يراه غيرُه غرباً، وما يصطبغُهُ بالغربِ ينظرُهُ الآخر شرقاً.
لاأعتقدُ وجودَ فصلٍ إجرائي بين الفضاء والزمـن داخل المحكي الشعري؛ لأن"التقابـل بين فضاءات حميميةٍ وأخرى معاديةٍ يوازيه التقابلُ بين لحْظـاتٍ سعيدة وأخرى شقية مثلما أن الفضاء المتقطع يستدعي زمناً متقطعاً هو الآخر" (17)، لذلك فما حققه الفضاء من تقابل داخل "حدائق زارا" يفعله الزمن أيضاً، فالحديث عن شرقٍ مبغوضٍ وغربٍ مأمولٍ يؤطّـرُهُ الزمن الحالي، أما ماضياً فالصورةُ معلومةٌ.
فالزمن وهو مرتبطٌ بعمر الإنسان، والطفولةُ وهي الإطلالةُ الأولى في عالم مظلم، يُظْـهران التداخل ومـن ثَـمَّ التـقابلَ في ينابيع "حدائق زارا"، طفولةٌ كلُّها حلمٌ ونورٌ، وزمنٌ كلُّـهُ بطْشٌ واعتداء.
طفولتي شكلُ البحر
أتقوس
أتوسد
عشب ذاكرتي
وأعلن:
هذا ماتبقى من تاريخ
يصادر الشمع ويتلو على المصلوبين آية
الريح (18).
إذا كانتا حديقتا: "أفعى الحكمة وضفاف المحـو" تحتفيان بـ"الجسد"، احتفاءَ جنازةٍ لااحتفاء ولادة؛ فإنهما أيضاً يكشفان بكثافة البُـعد الرمزي ضمن مكتوب الخديري.
هذا الجسد لوحُ وصايا
حروف صلّت في محراب اللغة
كلما مسّني غـزل
توّحدت في البياض (19).
وفي قصيدة "ضفاف المحـو" ورد:
كسّرتُ يوماً إبريق المعاني
تنـاثر اللفظ شظايا (20).
هذه الأسطرُ الشعرية وغيرها تخترق المتعارَف عليه لغوياً لتَرمُزَ بإيحاء عميقٍ إلى أنّ غيرَ الممكن ممكـنٌ، وأن مانظنّـهُ مستحيلاً يتراءى أمامنا شبحاً مُخيفاً.
تظـهر في الأفق
غارات المحـو (21).
إن الحديث عن البنيـة داخل "حدائق زارا" هو حديث عن الوظيفة الشعرية، التي نستوحيها من "المحكي الشعـري"، بنيةٌ تجعل من لون القصيدة يتبدّلُ وفْـقَ وضعيات شعرية مختلفة .. إنها البنية المنحازة إلى "كثرة البياضات والفراغات والتقطعات وسيادة التفكك إلى حدّ يوحي ظاهرياً بالعبثية" (22).
فـالصّفْحات: (07/ 09/ 10+ السطر السادس منها/ 13/ 14/ 15/ التشكيلة اللغوية ص: 22/ 26/ 27/ 28/ 30/ 32/ 35/ 36/ 37/ 39/ 42/ 43/ 44/ 45/ 46/ 54 )، تجعل القارئَ يـتيه أمام كثرة بياضها ويحتار أمام رمزها الـمُضْـمَرِ؛ ومن ثمّ يستكينُ ليشاركَ إليـوت قـولَهُ "ويبقى الشعـر نصا (قـد) يحمل الكثير من الخفايا والإبهام".
أما عن التقطعات وسيادة التفكك فهي الأخرى لها حضور ضمن الحدائـق.
يحتويني
ال
غ
ي
ا
ب (23).
حروف لم تعد بطلسمها المعهود، إنما باتت تحمل أكثر من دِلالة؛ لأنّ "تقسيم الكلمات المفردة تبعاً لحروفها حيث يصبحُ لكل حرف هيبتُه الخاصةُ وثقلُـه المميز الذي يمكن موازنته بثقل المفردة بكاملها: يصبح للصوت الأهمية ذاتها التي تكتسيها المفردة" (24).
يذكرُ الشاعر في مستهل قصيدته "حدائق زارا" حروفاً باسمها لابرسمها، الأمرُ طبعاً ينحو منحى مغايراً لما عليه السابقة، نظنّـهُ يربطها بـبُعد الرؤيا؛ حيث طغـى على نصِّها مايوحي بذلك (أفسر/ رؤيا/ تعاليم/ معجزة/ ...).
هذا عن تشتت الفونيم أما توزيع المونيمات على أسطُر تتفرّدُ بها فظاهرةٌ لاغَـرو تُـلفتُ نظر القارئ، ولعلّها دِلالياً توحي بما يعتملُ الذات من انشطار.
في السياق ذاته نلحظ ضمن قصيدة "مقامات الذوبان" تَكراراً يهدف إلى "إحداث أثـرٍ شعري قبل كل شيء" (25)، ويكشف أيضاً الامتداد الذي يُحَصّـلُهُ الشاعـرُ بين عناوينه ونصوصه الملحقَة.
الذوبـان = الغياب =

ال
غ
ي
ا
ب


عـلى سبيل الخـتم:

لاأعتقـدُني نِلتُ كـلَّ نِعَـمِ "حدائق زارا"، فهـي متعددةٌ، متشعبةٌ، صعبةُ المِـراس، لكـني معها عشتُ شغفَ الشعـر، ألم يقل إليـوت: "إنّ بعض الشعـر الذي شغفني هـو شعـرٌ لم أفهمـه من أول قراءةٍ، وبعضُـهُ شعـرٌ لاأحسَبُنـي أفهمُـهُ حتى اليوم".
ليس الكلام هنا من باب إيلاء رشيد الخديري ماهو بعيدٌ عـنهُ، فنـحن أمام تجربة شعرية تسعـى تشكيلَ دربٍ يجاور دروبَ شعراء كبار .. تَتَـحيَّنُ رسـمَ لوحـةٍ تتفـرّدُ أسلوباً وبناءً، إننـا معـه ولسان حاله يردد مع رامـبو: "إننـي مخـترعٌ ماأنا جديـر به، مختـلفٌ تماماً عن جميع مَـنْ سبقـونـي".

**********

هـوامشُ ومـراجـعُ:

*: ديوان طُبِـعَ سنة: 2008م.
(1): ضمن "قراءة في فحوى الشعر" للكاتب العراقي زيد الشهيد.
(2): ضمن "المنعطف الثقافي"، السبت - الأحد: 3 - 4 يناير 2009م عدد: 226، ضمن نص - خبر: أحمد شكر.
(3): "الشعر العربي الحديث" دراسة في المنجز النصي، رشيد يحياوي، طبعة: 1998، أفريقيا الشرق، ص:107.
(4): الديوان، قصيدة "قطة"، ص: 19.
(5): لأنه لدراسة العنوان الشعري دراسةً شاملةً بتصوّر رشيد يحياوي هناك ثلاثة أبعاد (تجاور العناوين/ نصية العنوان/ العنوان والنص).
(6): "الشعر العربي الحديث"، مرجع سابق، ص: 112.
(7): هذا الموضوع تطرقنا إليه بشكل مفصّل ضمن مقال مطـوّلٍ، عنوانه: "التمثل البياني في المشروع الفكري لمحمد عابد الجابري - كتاب "البنية" نموذجاً"، مقال سيُـنشر ضمن أحد الأعداد المقبلة في مجلة "عالم الفكر" الكويتية.
(8): ضمن مقال "المحكي الشعري" للدكتور عبد الرحيم كلموني، مقال يلخص فيه ماأتى به طادييه في كتابه الذي يحمل المقال عنوانه.
Jean-Yves Tadiè : Le récit poétique, puf, Paris, 1978- P: 24. (9)
(10): الديوان، قصيدة "حدائق زارا"، ص:21.
(11): الديوان، قصيدة "سوناتا الجذب"، ص: 47.
(12): الديوان، قصيدة "غيم ومرايا"، ص: 51.
(13): الديوان، قصيدة "مقامات الذوبان"، ص: 31.
(14): الديوان، قصيدة "وصايا الشمس"، صفحات: 25/ 26/27/ 28.
(15): الديوان، قصيدة "حدائق زارا"، ص:22.
(16): " Le récit poétique"، مرجع سابق، ص: 73.
(17): ضمن مقال "المحكي الشعري" للدكتور عبد الرحيم كلموني.
(18): الديوان، قصيدة "غيم ومرايا"، ص: 50.
(19): الديوان، قصيدة "أفعـى الحكمة"، ص: 33.
(20): الديوان، قصيدة "ضفاف المحو"، ص: 39.
(21): نفـسه، ص: 41.
(22): " Le récit poétique"، مرجع سابق، ص: 131.
(23): الديوان، قصيدة "مقامات الذوبان"، ص:32.
(24): اللغة الشعرية في (قصائد كاتمة الصوت)، للكاتب ابراهيم الحجمري.
(25): ضمن مقال "المحكي الشعري" للدكتور عبد الرحيم كلموني.


ذ- محمـد بوشيخة
كاتـبٌ من المغـرب

خلاصـة قراءة ذاكرة الجسد - أحلام مستغانمي - دراســـة نقـدية



خـلاصـةُ قـراءة ذاكـرة الـجسد - أحـلام مستـغانمي


رواية في منتهى الدقة في البناء .. رواية جمعت كل مشارب الحياة؛ من تاريخ، جَــغرافيا، فلسفة وأدب .. رواية يصعب معها التصديق والتكذيب .. رواية تشكل مهرجانا لملتقى الثقافات؛ حيث تعدُّدُ الأقطار( لبنان ، الجزائر، فلسطين، فرنسا …) وسجِلاّ لكتبٍ وكتـابٍ عرفهم التاريخ أو جعلوا التاريخ يعرفهم، فسجّــل رُغمـاً عنه أسماءهم، إنه استثمار لمقرؤ أحلام مستغانمي.

ليس هذا فحسبُ، بل هي كتاب في التنظير للكتابة الإبداعية خاصة الرسم منها .. كتاب/ رواية تدفعك إلى التشكيك في كل شئ وطرح أسئلة تحمل تناقضات..

- أيّ جسد يقصده العنوان وتؤكده الرواية في ثناياها ..؟

- لماذا كل خطاب النص أتى على لسان”خالد”وعُدَّ المكتوب له تلك التي أحـبَّ ..؟

- ألا تشكل الرواية ذاكرة بمعناها الأولي؛ حيث الكاتب يسرد أحداثا لاتجهلها المخاطَبة وإنما فقط يرغب تَـذكرتها ..؟.

أسئلة كثيرة تصعب الإجابة عنها .. لكن دعني أفترض مايلي:

قد يقصد السارد/ تقصد صاحبة النص بالجسد ذلك الذي ناضل من أجل التحرير، خصوصا وأن” الفقدان” إحدى سمات هذه الرواية ( فقدان الأم أولا و سي الطاهر وفقدان يد السارد ثم فقدان زياد وحسّـان) .. كما قد تكون المرأة محوردِلالته1 .. فـ “حياة” كامرأة كلٌّ كيف نظر إليها .. فـ “خالد” اعتبرها كل النساء و”زياد” رأى فيها المرأة المبدعة الجـــذّابة .. و”سي …” اختطفها أخيرا؛ حيث جعل منها “سي الشريف” فرصة لاحتضان مراكز القرار.

هذا وقد يدل الجسد على الجانبين معاً، خاصة أن “المرأة” وتيمة “الفقدان” ابتدأت بهما الرواية لتنتهي وفقهما، ولهذا الفعل علاقة بــ “الذاكرة”، لكن الذي يؤكد الطرح الأول - لربما- قول السارد ” كان جسدي يُــنتصبُ ذاكرة أمامه .. ولكنه لم يقرأني”2

أمرآخراستوقفني عند العنوان؛ إذ صاحبة الرواية أجدر بأن تكون عنوانا للرواية - أقصد اسمها ( أحلام مستغانمي)-؛ حيث الحلمُ راود السارد وكل شخوص الرواية منذ البداية حتى النهاية، فكل الثوار ضمنيا حلمواْ بتحرير الجزائر من المستعمر، وكم حلُــمَ “خالد” بأن تكون “حياة” له وحده .. وقبل ذلك بأن ينضم إلى الجبهة .. ثم ألم يحلم “حسان” بوظيفة أسمى تريحه من تعب القسم ..؟ .. والملاحظ أن كل هذه الأحلام تبعثرت وظلت أحلاما “ولبست نهائيا حداد أحلامي”3 .. مما يعني كذلك أن “مستغانمي” والتي نفترض أنها اسم لوطَنيّ يقطن بوطن ما ومنه بمدينة ما، كقولنا ” قسطنطيني”، و”مستغانم”- طبعا- مدينة بالجزائر.. إذن ماالذي يمنع من أن يكون مدار النص أحلاما راودت وظلت تراود السارد ..؟؛ هذا الذي يجوز جعله نموذجا لكل جزائري آنذاك، ونهاية النص أقوى دليل على ذلك …”وأجمع مسودات هذا الكتاب المبعثرة في حقيبة، رؤوس أقلام .. ورؤوسَ أحلام “4.

............................

* - رواية أحلام مستغانمي،الطبعة: 16، سنة: 2001م
1 - " لامساحة للنساء خارج الجسد"، ذاكرة الجسد، ص: 385.
2 - نفسه، ص: 404.
3 - نفسه، ص: 404.
4 - نفسه، ص: 404.

ذ - محمد بوشيخة
21 أكتوبر 2005م