الأربعاء، 5 يناير 2011

السنةُ الجديدةُ والعـاداتُ القـديمةُ .. موضوع الحلقة الثانية عشرة من عمود "ضد التيار" .. جريدة عيون الجنوب


أولُ ما يلفت انتـبـاهَ الـمرءِ عـند استـقبـال سنة وتـوديــع أخـرى هـو الـفـرقُ بين الـهـجري منـها والـميـلادي، لا من حيثُ الـحَـمـولةُ الـدلاليةُ التي تكــتسيهـا الـواحدةُ عن الأخـرى؛ إنـمـا لِـمـا تحظى بـه الـمـيلادية من اهـتمـام زائـد في الاحـتـفـاء، مقـابـل ما تشـهده الهـجرية من لامبالاة، بل جهـلٍ برقـمـها حتى ..!!.
في الضفة الأخـرى يـبـدو الأمـر طبيعـيا؛ لأن أهـل الدار أولى فـرحـا بقـدوم السنة الـميلادية، لِـما تـجـسده عندهم من رموز وما تحمله إليهم من بشـائـرَ قديمــةٍ مازالـــوا متمسكين بـها .. يُــحــيُــون الليلة الفاصلة بين سنة مضت وأخرى قـادمة احتفـاءً بـهـما مـعـا، سنةٌ زائـلـةٌ ملـيـئةٌ بالعـمل والعطاء، وأخـرى قـادمة لـن تزيد السابقة غير بنـاءٍ مستمر وترسيـخٍ لحب وطن إليه ينتمـــون.
شـرقـيـاً، في المغرب خـاصةً، تبدو الـمـفارقـةُ أوسـع، والـنازلة أضخـم، شكليـاً، يعبرون عن استقبال السنة الجديدة لذكرى هجرة النبي (ص) بمزمـار، يكشف في العمق عـن بُـعـدٍ تاريخي أصيل، يرمـزُ لـهـويـة أصيـلة بروح صـافية، خالية من دَنـس مايبغـون تـمريره عـبر قـناتهـم؛ الـمكتفية يـومـهـا بـإعـادةِ فـلمٍ طـال أمـدُهُ، فـلـمٌ لـم تُـستخـلَص منه العِـبَـرُ المبتغاة؛ لـذلك وبنيـةِ الـمتوجّـس تنقـلـوا مكـانيـاً؛ لينـقـلوا إلينا في نوع من الاستهـجـان جـهـلَ الـمـغربي بالسنة الهجرية؛ الفائتة منها والقادمة .. جهـلٌ تتحـملُ مسؤوليــتَـه كـل المؤسسات المنوط بهـا تشكيل ذات مغربية، متشبعة بـمـبادئ الوطنية.
ولأن ديـنَ الإسـلامِ أحـدُ أقطـابِ الهويــةِ المغربيةِ، فالجهـلُ بـه وبمتعلقـاته يسئ لمبدأ الوطنية المغربية.
لـو كـلفتْ قنـاة من قنواتنا العديدة نفسـها ونظـمت مسابقة عن موضوعٍ مرتبـط بالسنة الهجرية لكلّـف المتتبع؛ المفتون بالربح الموهوم نفسـه أيـضـاً بالبحث ومن ثَـمّ مـعـرفة أي سنة سيستقـبل، أم إن الربـحَ لـن يكون بمثـل ماستجنيه عن مسابقةٍ لـها علاقـة بالميلادية، وأي موضوع "فنان راي محبوب لدى المغاربة" .. ولأنـي مفتون بالمقارنة استفـزني السؤال وقلت حـالمـاً: "لو نـظـموا في السنة الهجرية مسابقة عـمّن قال فيه خير البشر: "لا تؤمـن حتى أكون أحب إليك من نفسك".
"وامْــسْـطـي هــذا ..!!"، أكيد سيقولـها أكثر من قارئ للعـمود؛ لكن أدعوه للتراجـع عن حـكمه لأني قلت آنفـاً "حالـمـا"؛ أي من باب الحلم، لأني أدرى بـمن يحـرك دواليب الإعـلام في شموليته، ولست أبـلهـا حتى أنتظـر من جهـة تقـديم خدمة للوطن والدين من غير ربح مـادي تبتغيه الـمسابقة.
لا أزعـم أن هـكذا توجهـات يبغي من خلالهـا المشرفون خدمة الآخرين من دون خدمة الوطن، فالأمر لا يبتعد من بُـغـية خدمةِ الذات؛ من ربح وتحقيق نسبة مشاهدة في السهرة المقامة وعائدات الرسائل الهاتفية؛ المهنئة بحلول السنة الميلادية الجديدة؛ في وقت أيضـاً نتيجـةُ المعادلة تـؤكـد أن الرابح الثاني هـم ذوو الأهداف السياسوية؛ بمعنى تتليف الشعب من خلال تــخـذيره بنيكوتين الأمسيات الضخمة حتى تُـمـرر في نفس تلك الأيام القرارات الصعبة.
احتفـاءً بالسنة الميلادية الجديدة يتم التهيئ والاستعـداد والإعلان عن ذلك أيـام بعيدة قبـلاً، وتنفق يومَـهـا أموال طائلة، تأتي من الخزينة "اللي على بالْــكْ".
أما السنة الهجرية؛ والتي لا يـلُــونهـا كما سلف القول أي اهـتمـام، يزداد الأمر سوءاً / إساءة لهـا لمـا يحـل العاشر منهـا، يوم "عاشوراء"؛ إذْ تتحـول معـظـم الشوارع إلى حالة طوارئ، يخشى السائـرُ فيـها عن نفسه من البيض الملطخ بمـاء يلحق ضررا بالإنسان، أو يقـذفـك بـماء تخلّص منه بعد أكسدةٍ وتخزين ثم تسخين، أحـدثـك بعيون المتابـع لاحتفالات / اختلالات يــوم عاشوراء المـاضي، ولا أخفيك أمـر تـدخـل القوات الأمنية أمام بعض المؤسسات التعليمية لثني أبطال الأمة؛ الذين يُظهـرون حِـرفيـةً في الإجـرام وابتكـار عمليات قـد تصـلُـح يومـا للدفـاع عـن الـوطــن ..!!.
ليس مـن بــاب الشوفينية أطرح الموضوع؛ وإن كان حب الوطن من الإيـمان، إنـما خـوفـاً مِــنْ أن تـتـمزق هـويــتُـنـا المغـربيةُ الإسلاميةُ.
سنة سعيدة، هـجرية وميلادية، وكـل عـام والأمة الإنسانية في ســلام.

محمد بوشيخة
mljabri1979@hotmail.com
بجريدة "عيون الجنوب"، العدد: 22 يناير 2011م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق