الأحد، 12 ديسمبر 2010

شهادة البكالوريا والمخطط الاسترجالي، الحلقة السابعة من عمود "ضد التيار"


تتــوالـى السـنواتُ بَـلْـهَ العـقـود لـتـنـكشـفَ الحقيقـةُ الـمُـرّةُ: "تـعـليـمُـنـا مـايـــزال فـي خـطـر ..!!".
فيـما مضـى رفض أحـدُ عـمـالقـةِ الـعلـم فـي الـمغـربِ التـدريسَ بـجامعـاتـنا العـلمية، والـمـبـرِّرُ أن البـرامـــجَ فيـهـا لاتـكـوِّن (بتضعيف الواو وكسـرِهـا) عـقـلاءَ؛ بقـدر ماتُـنـتـجُ فقـهـاءَ بـالمعنى السلـبي لكـلـمة فقيـه، ومـن ثَـــمّ تفـريـخُ أعـداد لاحـصـر لــها من المعـطلين كل سنـة، وفي كل التخصّـصات، وأحيـانـا – كـما ذهب أحدُ المفكرين – تشكـيـلُ قـوالبَ مهـيّـأة لتبـنّي أيّ تفـكير إقصـائي لافتــقـادهـا منـاهج السـؤال والنقـد.
كَـتَـبَ المخـتصُّــون في ميدان التربية، واستلـهم المترجمـون نظريـاتٍ غربيـةً ونقـلـوهـا إلى العربية؛ بُــغـيـةَ تـحريكِ الـدّم فــي قـارورة جسـدِنـا التـعليمي؛ إلا أنّ دار لقـمان مـاتـزال تـعـزف عـلى سمـفونيـاتِ ضَـعـفِ المـردوديـةِ وغـيـابِ الـكـفـاءاتِ الـمهـنيةِ وتحـصـيلِ تلامـيـذ شهـادات بكـالوريـا معـظمـهم لايجـيـد القـراءةَ وأحـيـانـاً تـركيبَ جـمـلٍ بلغـةٍ سليـمة.
تـجـوّلتُ أيــامَ اقـترابِ اخـتبـاراتِ البـكـالوريـا، الأولى والثـانية، في إحـدى الـمدن المـغربية، فـعـاينـتُ بــأمّ أعـيُـني مشـاهـدَ غـرائبيـة، تُـسْـهـمُ - من خلال كـلّ الأطـراف الـمتـدخّـلة فيهـا – فـي خلخـلةِ البنية التعليـمية؛ بـل وتُــفـقِـدُ شـهـادةَ البكـالوريـا مصـداقيتَـهـا على عــلاّتِــهـا - طبعـاً - بعـد التــحـصُّـل عليـها.
سـألتُ أحـدَ الـمؤمنـين بشـعـارِ: "مَـنْ نقـلَ انتـقـلَ، ومَــنِ اعـتمدَ على نفسِـه بقي في قسمـه"، لـمـاذا تُـقـبِـل على هـكـذا فــعــلٍ، فـجـاء الـجـوابُ بـاتفـاقِ مَـنْ يشـاركُـهُ الأمـرَ: "شْـحَــالْ كْـدْنـا نْـحْـفْـظُـوا // اُوعْـلاشْ نْـعْـتَــمْـدوا على ريُــوسْنا اُو الدْراري فالـمُـدْنْ الداخلية تـايْـنْـقْـلـوا ويـنْـجْـحُـوا ويــخْــلِّـيْـوْنـا احْـنـا اللُّــور".
يبـقـى التبريـرُ غـيــرَ مقـبـولٍ تربويـاً وأخـلاقــيـاً؛ رغـم مـافيـه من مُـشـيراتٍ تقـبـلُ الـتوقُّـفَ والـمسـاءلـةَ .. لـمـاذا تـجد أُطـراً تـربويـةً تـكـثُـرُ أعــدادُهـا؛ لأنهـا من جـهةٍ معـينـةٍ، من مدينةٍ معينةٍ، كـما يحصـلُ مـع الترقية التربوية؛ وكـأنّ حـال المشرفين على التوظيف والترقية يـؤكّـد كفـاءةَ أبنـاء هـذه المدينة عن تـلك، رغم أن الجـامعـةَ التي تخـرجـوا منهـا هـم وغيـرهـم واحـدة.
لـــن أتحـدّثَ عـمّـا يـحـصُـل في المـراكــز التربويـة وسـوء عملية الاختيـار وشكلية الاختبـارات فيـها، وما يشوبُ العملـيةَ في كلّـيـتِهـا من محسـوبية وزبـونية، فـالـكلام عـن ذلك آتٍ ضمن حـلْـقـةٍ أخـرى لامـحالة.
عـن المخـطط الاسـترجالي؛ عنوانُ محـطّـتنـا؛ والذي يـمكـنُ تسميـتُه أيضـاً بالاستنجـادي، لـن يـؤتـي أُكْــلاً فـي ظِـلِّ استفـحـالِ الـمرض وتمكّـنِـهِ مـن جسـدنـا التـعليمي.
لا أظــنُّ متـتـبّـعـاً للشـأنِ التعلـيمي ببـلادِنـا يجهـل الفـشـلَ الذريـــعَ للميـثـاق الوطني للتربية والتكوين؛ وهو الإصـلاحُ الذي أريـدَ بـه تحـقـيـقُ إقـلاعٍ فـي هـذا الـميـدان؛ ولأنّ ذلك لـم يحصـل اقـترحـوا فـي نـوعٍ يــنِــمُّ عـن الــتسـرُّع فـي اتّـخــاذِ القـرارات، كـمـا تـدلّ عن ذلك تسـمية "الاستعـجـالي"، اقــترحـوا مـاأرادوا بـه تطبيبَ الجرحِ الذي خـلّـفَـهُ الميثـاق.
أكــيــدٌ أنــه أريـــدَ بـالمخـطّـطِ إصـلاحُ مـاءِ وجـهِ المـسؤولـين عـن القـطـاع، وأنّـى لـه / لهــم بـذلك فـي ظـــلِّ غــيـابِ الـحـدّ الأدنـى مـن الـمحـاسبةِ عـن كـلّ مـاسبـقَ وفـشِـلَ.
وحـتى لانـركبَ قـطـاراً نـعـي أنّـهُ لـن يُــوصِـلـنا إلى بـرّ الأمـان؛ تبقـى مـعالــمُ فشـلِ المخـطط باديـــة عند بداية الطريــق، فـضَـعــفُ نـسـبةِ الـمحـصِّـلين عـلى شهـادةِ البكـالوريــا هـذه السنـة - رغـم مـايشـوبُهـا ويشـوبُ الـمحـصِّـليـنَ عليـهـا من نقـائـص - أولُ دليـلٍ عـن الاستـرجـالِ والاستنجـادِ كشـعاريْـن أجـوفَــيْـنِ لـن يستطـيـعا إنـقـاذ تـعـليـمِـنا، كــما لـن يُـخـفيـا ضـرورةَ الـمحـاسبـةِ التـاريخـية للـمسؤوليـن عـن القـطـاع.

محمد بوشيخة
ورد بجريدة عيون الجنوب، عدد: 17، غشت 2010م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق