الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

شــهـرُ رمـضـانَ رمـــزُ الــوحــدةِ المـفـقـودةِ .. الحلقة الثامنة من عمود "ضد الــتيار"


كـلّـما حـلّ شـهـرُ رمـضـانَ الكـريـم، إلا وتــجـد أمةَ البطنِ والفرجِ لـتـصدُّعـاتِ تـشكّـلاتِــهـا وكــثـرةِ انـحرافــاتِــها عن الطريـق المستقيمة؛ المُـنْـبَـنِـيةِ على الوسطية والاعتدال في كــلِّ شيء – تــلك التي سطّرها الباري في كـتابه المبين وبـيّــن معالمَــهـا محمد صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة –، تـجـدُهـا تــتـسابــقُ تحضيراً للحلويات وتهييئاً للـحفْــلاتِ والجلْـساتِ على شتى أشكـالـهــا..!.
كلمـا حـلّ شهـر البَــرَكَــةِ إلا وامـتـلأت المساجِــدُ عن آخـرها بالمصلين قياماً للصـــلـوات؛ استجابـةً لنداء روحاني، قــلّما التفتـوا إليه في غير هذا الشهر العظيم..!.
كلما أطـلّ شهـرُ الغـفـرانِ إلا وتـنـاسى التـجارُ مـاأتى به القرآنُ؛ رفـعـوا الأسعار وضاعـفـوا أثمـان الفواكه والخضار، فحاصروا الصيامَ بالصيامِ؛ إلا عن الكبـارِ الذين استنزفــوا أصـلاً جيوبَ الصغـار، فــانفردوا بالأسواقِ في شهــر الانـعـتــاق من لهيب النار ..!.
كلما ظهــر هلالُ الإيـذانِ بحلول شهر رمضانَ إلا وتــوحّـدَ كـلُّ اُولئـك فيما لايرضي الرحمان: مجونٌ وإسفـافٌ / نـفـاقٌ وبهتانٌ / نهبٌ واستغـلالٌ..!!.
ليست هـذه هي الوحدةُ التي يرمـز إليها شهـرُ الصيام؛ مِـن هـذا الفريق أو ذاك .. ليست تـــلك هــي الوحدةُ التي ناشَــدَهـا القرآنُ ودافــع عنها النبيّ العـدنانُ وصــوّرتـــها قِـبلـةُ المصلين المؤمنين في كل الأزمـان.

أولى بأمة يجمع بين المنتسبينَ إليها كــتـــابٌ واحـــدٌ ونبيٌّ واحدٌ وقِـبلةٌ واحــدةٌ أن تــتــوحّــدَ على كــلمةٍٍ واحـــدةٍ ونـــهـجٍ موحّـدٍ؛ لا لردع الخـارجينَ عن دائِــــرتهـا: (= أفـــأنت تكره الناس حتى يكونــوا مؤمنين؟)، وقـوله سبحـانه في آيـة أخـرى: (لا إكـراه في الدين)، إنـما الوحدة لتحصين الـقِـلاع وردّ الاعتبـــار لكيــان نَــخَــرَهُ الضَّـعــفُ، وأحـاط به الهــوانُ، وتهاوتْ أركانُــــهُ لـما انكشفتْ عـوْراتُـــه، وعَــلَــتْ على السطـح نـــوازعُ أمراضِ أفـرادِه.
نعـم – في الأصـل - البُـعدُ الإنسانيُّ يوحِّـد كـلّ من يـدبّ برجلين على الأرض؛ لكن مادامت الدوابُّ تـتـنازعُـهـا ثنائيةُ الخير والشر مُـــذْ حكاية قابيل وهابيل، وطغى في عالمنا اليوم الشر على الخير؛ لدرجة لايـمرُّ يـــومٌ إلا وتفيد نشرةُ أخبـــار هذه القناة أو تــلك عن أعدادٍ من القتلى في هذا البلد أو ذاك؛ قتلى في الغالب من أمة واحدة أولى لها أن تَــتـوحّـدَ، وقَـتَـلَةٌ بالمقابــــل من أمة واحدة هي أصلاً موحـدة على ديـنِ قَــتـلِ الأطفالِ وإبـــادةِ الشعــوب وتشريــدِ النساء وزرع الــرُّعب في كل مُـعْـتَـقِـدٍ غيـر مايعتقدون، وسـائــرٍ على طريــق غيـر مايريدون ويسطِّــرون.
أليس إذن حَــريٌّ بــأمتنا أن تــتوحّــدَ ..!؟ .. ألا يــجوز لحُـلمِ ملايين الشعوبِ أن يتحــقّــقَ ويكفينـا نـــزاعات فارغة بين هــذه الدولة الضعيفة وتلك الأضعف، أمام قـوة أمريكا وتـوحُّـــدِ أوربا.
لاأجـد خــيـرَ مـاأختم به حـسرتي وألمي، كمـا كـل الشعوب التـوّاقة للـوحدة الإسلامية غـيــر هذه الأبيات الدالّـة للشاعر و الفيلسوف الباكستاني محمد إقبال:
وفي التوحيد للهِــمم اتحـاد  **   ولــن تـبنــوا العلا متفرقينا
ألم يـبـعث لأمـتكم نـبـــيّ    **   يـوحدكم على نهج الوئـام
ومصحفكم وقبلتكم جمـيـعا   **   منــــار لــلأخــوة والسلام
وفـوق الكـل رحـمان رحيـم    **   إلـــه واحــــد رب الأنــــام

محمد بوشيخة
mljabri1979@hotmail.com
.....................
نــشر بجريدة "عيون الجنوب"، عدد: 18، شتنبر 2010م.