الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

"أجساد فقط"* للكاتب محمد بوشيخة قراءة في العتبات والتيمات - د. عبد اللطيف حسو


عرفت القصة القصيرة جدا تراكما كبيرا في السنوات الأخيرة بالمغرب والعالم العربي مما يشي بأهميتها من جهة، وبإقبال العديد من المبدعين عليها الذين استهوتهم، وملكت عليهم أفئدتهم ومن المؤكد أنهم ألفوا فيها ذواتهم وضالتهم.
فهذا النمط من الكتابة يعتمد تقنيات جد مدققة ومضبوطة كالتكثيف المتاخم للشعر، لكن القائم على الإيحاء والإيماء، الإحالة والإبهام.
وتعرف الدكتورة سعاد مسكين في "القصة القصيرة جدا إشكالية المصطلح وتطرف الممارسة" هذا الجنس قائلة: "تعتبر القصة القصيرة جدا جنسا أدبيا حديثا عرفه المغرب نتيجة تطور السيرورة التاريخية لفعل الكتابة، نظرا لخضوعها لمتغيرات ومتطلبات الحياة الجديدة التي أضحت تؤمن بالوجبات السريعة، وأكلة في دقائق والسفر بالكبسولة ... لهذا صار هذا الكائن المستحدث في حاجة ماسة وضرورية كشكل تعبيري، يلتقط اللحظات المنفلتة والأحداث الومضة، بكثافة لغوية وبلاغة رمزية، تعبر عن هموم الإنسان العادي والهامشي، ولعل من بين الإشكالات التي تثيرها ق ق ج أنها هي أيضا يصعب الإمساك بها، توحي دون أن تقول كل شيء، تتلون بألف لون، حرباء" (1).
أما الدكتور عبد المالك أشهبون فيرى أن القصة القصيرة هي النوع الأكثر شهرة في مجال السرديات إلى جانب الرواية وقد ارتبط فن القصة باسم مجموعة من الكتاب المؤسسين محمد تيمور- نجيب محفوظ - يوسف إدريس - عبد المجيد بن جلون والمجددين زكريا تامر ومحمد زفزاف وأحمد بوزفور، إلى أن ظهرت فورة القصة القصيرة جدا حيث فتحت آفاقا تعبيرية لا حدود لها في مجال الكتابة القصصية. وأول ما يمكن ضبط القصة القصيرة جدا به هو أنها "لا تأخذ من بياض الورقة إلا قليله. وذلك لكثرة التكثيف في المعاني مع "الشح" في اللفظ حتى صار حريا بالقارئ وسم هذه بالقصص القصيرة جدا من حيث مبناها المعماري اللغوي الذي تحوطته جمل بسيطة التركيب تكاد تكتفي في أغلبها بعمدتها "مسند- مسند إليه على هذا الأساس الكمي، صنف النقاد القصة القصيرة جدا واشترطوا ضرورة اختزال الأحداث ما أمكن، فلا فرادة جنسية في القصة القصيرة جدا إلا في خصلتين مركزيتين هما: القصصية والقصر.
ينفعل كاتب القصة القصيرة جدا بمجريات الحياة انفعالا خاصا، وهو يروم ترجمة انفعالاته إلى إبداع، لذلك يعمد المؤلف إلى عزل الحدث واختياره، بما يتناسب والشكل التعبيري الجديد الذي يتطلب أول ما يتطلبه هو الاختصار والاختزال. وبما أن الحركة في المكان رهينة حركة الزمان في دورانه ولأن المكان رمز للزمان على حد تعبير باشلار فإن الزمن في القصة القصيرة جدا يبدو ملتبسا ومتداخلا.
وتتميز اللغة القصصية في ق ق ج باللغة الإيحائية القلقة ذات النفس الشاعري، فخاصية الاقتصاد في الكلام هي إحدى مقوماتها بحيث تكون أشبه بإشارات برقية، شاعرية، موحية ومكثفة، يصعب حذف كلمة منها، وإلا اختل المعنى.
هذا والتنوع في المضامين سمة هذا الجنس من خلال توظيف التورية والسخرية الموجعة، بالإضافة إلى توظيف الموروث والتناص مع الأمثولات الرمزية، والمحكيات السردية وذلك ما نجده في مجموعة "قليل من الملائكة" لعبد الله المتقي بحيث ارتقت أحجياته إلى مرتبة سامية، بحيث غدت لا تضحك القارئ بقدر ما تبكيه، وتبعث على المرارة في النفس، بنقدها الساخر للسلطة الذي يتحول أحيانا إلى هجائية سياسية لا تخلو من طرافة ومتعة(2).
والقصة القصيرة جدا عند الدكتور مسلك ميمون: "بدعة فنية في إطار فن القصة وvery short story  وأقول بدعة لأنها شيء مستحدث إذ لم يظهر في عالمنا العربي كفن وكتابة إلا في تسعينيات القرن الماضي. ولكن استطاع  بسرعة أن  يجد له مكانا تحت الشمس، ووسط الزحام، بل استطاع أن يملك مريدين ومريدات ومعجبين ومعجبات، وقد يكون الفن الوحيد الذي لم يجد معارضة من المحافظين، إلا ما يكاد يذكر" (3).
ويرجع الدكتور جميل حمداوي ظهور القصة القصيرة جدا بالمغرب إلى: "فترة  مبكرة، وبالضبط سنوات السبعين من القرن الماضي، فقد أورد عبد الرحيم مودن في كتابه (معجم مصطلحات القصة المغربية) نصوصا قصصية قصيرة جدا لعبد الكريم التمسماني سماها صاحبها (قصص قصيرة جدا)، وتعتمد هذه النصوص على التكثيف والاختزال واللغة التلغرافية وقد نشرت هذه القصص سنة 1974...وإذا أردنا تحقيب القصة القصيرة جدا بالمغرب فيمكن الحديث عن أربع مراحل كبرى، وهي: مرحلة الإرهاصات الجنينية مع محمد إبراهيم بوعلو ومحمد زفزاف وأحمد زيادي وأحمد بوزفور...، ومرحلة التجنيس الفني مع الحسين رزوق، وجمال بوطيب وجماعة الدار البيضاء  ومرحلة التجريب مع محمد تنفو ومصطفى لغتيري وأنيس الرافعي ...،ومرحلة التأصيل مع جمال الدين الخضيري وهذه المراحل في الحقيقة متداخلة ومتفاعلة فنيا، من الصعب تحديدها بشكل دقيق أو فصلها تاريخيا بشكل مضبوط" (4).
أولاً: عتبة العنوان.
مجموعة القاص محمد بوشيخة: "أجساد فقط"
تتخذ العناوين مظاهر وصيغا متعددة كأن تكون بسيطة أو مركبة، وهي في كل الحالات تأتي  لتخلق أفقا للتوقع أو الانتظار لدى القارئ، تكون دالة على ما يزخر به النص من عميق الدلالات وبعيد المعاني.
 وقد وسم الأستاذ محمد بوشيخة مجموعته القصصية القصيرة جدا بـ: "أجساد فقط" وفي ذلك قصر وتركيز على الجسد وتكثيف لحضور دلالات وتعبيرات هذا الجسد، فهو حسب الدكتور يوسف تيبس: "يتراوح التصور الفلسفي للجسد بين النزعة العقلانية والظاهراتية والمادية بجميع مشاربها، أو لنقل بين التصور الثنائي لعلاقة الجسد بالفكر (ديكارت)، والنظر إلى الجسد من جهة ما يقدر على فعله وما لا يقدر عليه (سبينوزا، شوبنهاور، نيتشه، فرويد)، ثم التفكير في الجسد فيما وراء ثنائية الفكر والجسد (ادموند هوسرل وميرلوبدنتي وميشال هنري).
 أما الجانب العلمي للجسد فيركز على الجانب الفيزيائي والكيميائي والبيولوجي باعتباره دعامة مادية للفكر.
ويمكن اعتبار القرن العشرين قرن الجسد أو لنقل "زمن البيولوجيا، لان أهم الاكتشافات والتحولات التي حدثت فيه تتعلق بالجسد، إذ بلغت حد تغيير الطبيعة الجسدية...لقد أصبح الكل سيدا لجسده عبر الأشكال المتنوعة من العمليات التجميلية التي يجريها على جسده من خلال التغذية والرياضة.
ويرفض إميل دوركايم اعتبار الجسد موضوعا لعلم الاجتماع لأنه في نظره موضوع بيولوجي في حين يرى مارسيل موس أن هناك تنوعا في "تقنيات الجسد (يميزها عن التقنيات الأداتية) التي تتنوع وفق المجتمعات والأساليب...إن تقنيات الجسد هي تركيبات فسيولوجية وسيكولوجية واجتماعية مما فتح الباب أمام دراسة الجسد بوصفه بناء اجتماعيا وثقافيا.
ويرى DAVID LEBRETON أن: "التفكير في الجسد هو طريقة للتفكير في العالم والعلاقة الاجتماعية، فأي  خلل يدخل على صورة الجسد هو خلل في تناغم العالم وهكذا ينظر علماء الاجتماع والتاريخ والانتروبولوجيا إلى الجسد في القرن العشرين باعتباره مرآة للحياة الاجتماعية والثقافات والسلوكات السائدة. فلم يعد يوجد شيء طبيعي في الجسد لأن الممارسات الجسدية تتنوع وفق الثقافات (ممارسة الجنس مثلا): لقد برهن كثير من الأمثلة على أن العادات الثقافية تنقش على أجسادنا (الوشم مثلا).
أما جون بودريار فيشير في كتابه "مجتمع الاستهلاك أن الجسد بعد قرون من العفة والماهوية "أصبح الأسطورة  الموجهة لأخلاق الاستهلاك. لقد أصبح رأسمالا نستثمر فيه باعتباره يدل على الوضع الاجتماعي. كما أصبح مقدسا، بل  مؤلها: من الوقاية إلى التبرج، مرورا بحمام الشمس، والرياضة وكثرة تحرريات الموضة، يمر اكتشافه عبر الأشياء أولا هناك  هوس بالنحافة والإثارة اللتين تكتسحان الإشهار والأدب. بعبارة أدق، أضحى الجسد بالنسبة إلى بودريار موضوع نرجسية وحظوة اجتماعية، يتطلب مجموعة من السلوكات الاستهلاكية تستجيب لأوامر اجتماعية مثل: "الخط، والشكل والنشوة الجنسية"(5).
ويقدم القرآن الكريم في قصصه نموذجين لجسد المرأة:
فأما النموذج الأول فهو جسد امرأة العزيز، جسد لا يكتفي بامتلاك جسده، بل يتحول إلى لغة وإيقاع يخاطبان في يوسف عليه السلام الجانب الجسدي، ويتواصلان معه عبر لغة الفتنة والإغواء، لأن منطق ثقافتها حول جسدها سلاحا يفتك بالآخر يوسف الجميل ومصيدة توقعه فيها، ولا يرى في هذا الآخر إلا مثيرا للفتنة والغواية. لكن هذه اللغة الجسدية  أيقظت في يوسف عليه السلام، لغة أخرى مناقضة، فرفض الاستجابة أو التواصل مع إيقاعها وخيب أفق انتظارها.
في مقابل هذه الصورة، ترد في القصص القرآني إشارة إلى جسد فتاة، هي ابنة شعيب وقد بلغها من جسد موسى  إشارة واضحة بأنه القوي (6).
ويخلص الدكتور عبد القادر محمدي في كتابه انتروبولوجيا الجسد الأسطوري الهوية والامتداد إلى القول: "لقد نتج عن تمجيد الروح المدعوم من طرف مثل ميتافيزيقية احتقار الجسد ونبذه، بدعوى مقاومة الشر القائم في شهواته ورغباته إذ لكي يعود الانتصار أخيرا إلى قوى الخير، فإن هذه المقاومة المقدسة ستصبح مقاومة كوسمولوجية واجتماعية وتاريخية وجسدية متضامنة من أجل إعدام الحياة. وهكذا تحضر كل أنواع الجسد كما سبق وأسهبنا في مجموعة الأستاذ بوشيخة  المدنس منه والمقدس، الذكوري والأنثوي، بكل تمظهراته وتشكلاته، انتصاراته وانكساراته وانشطاراته. فموضوعة أو تيمة الجسد تهيمن بلا هوادة على المجموعة برمتها، منذ بدايتها حتى نهايتها، إن تصريحا أو تلميحا، وفي أوضاع مختلفة وأمكنة وأزمنة متباينة ومتفاوتة (7).
على أن الدكتور حسن حنفي يرى إن: "الروح والجسد لفظان قرآنيان على التقابل مثل النفس والبدن. وتتعدد معاني الروح في ألفاظ أخرى مثل القلب والفؤاد واللب. كما تتعدد معاني الجسد في الجسم والبدن (8). و"أجساد فقط" معناها نفي صفة الحركية والنشاط والكمال والمرح "روحه مرحة مثلا" وهي الكنه واللب والجوهر، إذ ما قيمة جسد بلا روح تمنحه الحياة وما أهمية جسد جامد عاجز عن الحركة والحيوية والخفة والرشاقة. إنه شبيه بتمثال "بجماليون" عند توفيق الحكيم. فمهما بلغت درجة جماله فهو في حاجة ماسة إلى روح تزرع فيه الحياة، إذ الجمال، جمال الروح والجسد. فالجسد محتاج إلى روح والعكس صحيح، والأجساد أصناف والأرواح كذلك، لكن كلاهما يكمل الآخر. إلا أن صاحبنا بوشيخة أوقف مجموعته على الأجساد فقط، وذلك لغاية في نفسه تروم تجريد الأجساد من أرواحها، وبذلك تصبح غير ذات أهمية لأنها تنقصها أهم خاصية ...
ثانياً: عتبة الغلاف.
أنجز غلاف هذه الطبعة الفنان محمد سعود، الذي يقدس عمله ويحترم مبادئه. فالفن عبادة من نوع خاص، فرغم الإغراءات المادية التي قدمت لسعود كي يتخلى ويتنازل عن هذه اللوحة الرائعة والمعبرة عن فنان أصيل، إلا أنه تمسك بها وأهداها إلى مواطنه بوشيخة.
محمد سعود فنان تشكيلي مغربي متميز ومعروف وطنيا ودوليا. ويبدو أنه في لوحته اتخذ من البوابة المقوسة إطارا مركزيا، للبوابة داخل المجموعة موقع خاص، وكذا الانتماء المكاني والتقاليد العمرانية المغربية/المحلية. وتتوسط البوابة من أعلى هيئة جسد في نصفه العلوي بلون أبيض فاتح يشع نورا، ينتشر في المدى ممتزجا باللون الأزرق أو السماوي، تقابله أجساد آدمية وأسفل اللوحة جسد جنين بلون أحمر فاتح، لون الدم، بنقطة سوداء وكأنها عينه، وهو في هيئة توحي بتواجده ببطن أمه، أسفل اللوحة لون وردي وكأنه ورود مزروعة تمتد إلى الأعلى، ويحيط بإطار اللوحة وجوانبها من الأسفل نحو الأعلى خيوط على شكل نباتات بلون وردي وأخضر فاتح.
أعلى اللوحة كُتِبَ اسمُ الكاتب محمد بوشيخة باللون الأسود، أسفله بقليل كتب عنوان المجموعة "أجساد فقط"، ثم أسفل اللوحة مباشرة دُوِّنت عبارة قصص قصيرة جدا، ثم باقي الغلاف غمره اللون السماوي أو الأزرق الفاتح، لون البحر والسماء الذي يوحي بالنقاء والصفاء والامتداد. أما ظهر الغلاف إلى أقصى اليسار فقد وضعت صورة صاحب المجموعة محمد بوشيخة، داخل إطار وإلى يمين الصورة كتب اسمه باللون الأسود. أسفل اسم الكاتب كتبت شذرات من سيرته الذاتية والعلمية. إلى الأسفل وضعت علامة الناشر واسمه "منشورات الثقافة الجنوبية"، الطبعة الأولى: 2013م، باللون الأسود، ثم أقصى أسفل الصورة إلى اليسار وضع ثمن الكتاب باللون الأسود أيضا. ويغطي الغلاف تماما اللون الأزرق الفاتح، في طبعة أنيقة ..
ثالثاً: تيمات المجموعة.
لقد حلق بنا الكاتب محمد بوشيخة في أرخبيلاته القصصية، لكن دون أن تكون بينها قطيعة، بل نظمها ونسجها وسبكها عبر خيط رفيع يجمع لحمتها ومكوناتها: إنه الجسد، بجباله وهضابه وسهوله ووديانه، بكل تضاريسه ومناخاته الآسرة، الفاتنة، المثيرة، والمشينة المهينة. فمن سنوات النار والرصاص والاختطاف والاختفاء القسري في أقصوصة "الأمن الوطني" إلى الشبكة العنكبوتية و«الكام» وأفلام الخلاعة والمجون والوضعيات والأوضاع الجنسية الإباحية والنابية بـ"ثلاث طعنات"، ومن معاناة الجنود بمرتب لعين ومتطلبات باهظة الثمن وموت بطيء في أقصوصة "انتحار" إلى برلمان ووزراء يتكالبون كالظروف اللعينة في ركح المسرحيات الأسبوعية والذين يضحكون على ذقون دافعي الضرائب  والمواطنين عامة بأقصوصة "مسرح"، إلى الحرمان الجنسي الذي يفعل الأفاعيل والاستمناء نموذج بسيط منها  في أقصوصة  "انخطاف". ومن بيع الأعضاء البشرية بسوق النخاسة والمستشفيات المشؤومة في أقصوصة "حب جديد" إلى خطيئة الخمر ثم قتل العشيقة ومغادرة المؤسسة السجنية متفوقا وحرفيا عالما بعلم الإجرام في أقصوصة "ترقية"، ومن جلسات التحقيق  الماراطونية في قسم التحقيق في أقسام أجهزة الأمن إلى إجبار الدكتاتور والحاكم العربي على الرحيل عقب ثورات الربيع العربي في "ليلة غادر القصر الرئاسي"، إلى خرق قانون السير في "الأحمر القاني"، ومن طوابير الانتظار وتبذير الوقت وعدم احترام حق الأسبقية وحقوق المستهلك والزبون بالوكالات البنكية والمالية في "مضاجعة/ مضجعتان"، إلى احترام سلطة التقاليد والأعراف وتسلط الوالدين في اختيار الشريك، شريك الحياة اللا مرغوب فيه إلى ليلة الزفاف وما يشوبها من طقوس مريضة ومخلة بالأخلاق..في "خطيئة". ومن أطفال الشوارع المتخلى عنهم والجمعيات المحتضنة في "السر المفقود"  إلى مطاردة الفقر والمآسي للفقراء حتى في المنام في "انكسار (حالة نفسية)" ومن التمرد على كل القوانين يولد الدستور بطرق غريبة، كمخمور يضاجع شمطاء في مسودة. ومن قمع وكبت حرية التعبير في الكبت إلى اللحى التي لا تنم دائما على الإخلاص في الإيمان في "ومن لغا فلا جمعة له". ومن كارثة وظاهرة الاغتصاب في "ورطة" إلى ظاهرة رمي الأطفال في "لفافة" في صناديق القمامة. ومن الربيع العربي في مزبلة التاريخ إلى حيرة الإقبال على الزواج في "رأسان في واحد (حالة نفسية)". ومن فوضى الحواس في "فوضى المشاعر"، إلى تطفل كثيرين على نظم القريض في "الشاعر". ومن المحسوبية والزبونية والوساطة في "النافذة" إلى الشيخ يتصابى ويعشق الصغيرات في "العشق المهبول". ومن ظاهرة إغلاق المساجد وتخطي الرقاب في الصلاة في "نفحة عابرة"، إلى الارتباط ببنت البلد يكتسي نكهة أخرى في "عيشة بْنْتْ البْلادْ" إلى الحرمان من الجسد، من أجساد بائعات الهوى، من الأجساد العابرة حتى في المخيلة في "جسدان أحدهما عار". ومن المساجد تفقدنا الإحساس الزمكاني في "أجساد"، إلى حب جنوني في "اعتراف". ومن الحياة "فتنة" إلى الخيانة في "خيبة". ومن نرجسية المرأة  في "غرور"  إلى حلم السلطة في "حلم إغفاءة". ومن لا يرث الفقير إلا الفقر في "حلم نوم عميق" إلى أحلام مستحيلة في "حلم يقظة". ومن البريء في "الجاني" إلى الحب الأبدي في "المتهمة". ومن حد وحكم خطيئة الزنا  في "القرار"، إلى بلادة أحكام القاضي في "نهاية القاضي".
وبهذا يكون البدوي محمد بوشيخة كما يحلو له أن يسمي نفسه، قد جاب بنا كل الدروب المقفرة، والمآسي الاجتماعية والأخلاقية الكارثية، والموبقات الضحلة، التي يحبل بها واقعنا الدرامي، الذي يجثم على صدورنا، ويكبل آمالنا، ويطمس أحلامنا، ويجعلنا نلف في دوامة لا أفق لها، ولا مخرج منها.

الهامش:
* "أجساد فقط"، مجموعة في القصة القصيرة جدا، للكاتب المغربي محمد بوشيخة، منشورات "الثقافة الجنوبية"، مارس 2013م.
(1)- د. سعاد مسكين، القصة القصيرة جدا في المغرب إشكالية البناء والدلالة.
(2) – د. عبد المالك أشهبون، القصة القصيرة جدا في المغرب الواقع والافاق.
(3)- د. مسلك ميمون، مكونات الإبداع في القصة القصيرة جدا.
(4)-د. جميل حمداوي، القصة القصيرة جدا بالمغرب.
(5)– د. محمد إقبال عروي، مستويات حضور الجسد في الخطاب القرآني (دراسة نصية)، مجلة عالم الفكر، العدد4، المجلد 37، أبريل- يونيو 2009، ص 21 – 22.
(6)- المرجع نفسه، ص 21 – 22.
(7)- د.عبد القادر محمدي، أنتروبولوجيا الجسد الأسطوري بحث في الهوية و الامتداد، فاس بريس، 2013، ص 14.
(8)- د. حسن حنفي، الروح والجسد في القرآن الكريم، مجلة عالم الفكر، العدد4، المجلد 37، أبريل-يونيو 2009 ، ص 7.