الأربعاء، 8 فبراير 2012

الـبديـل الإسـلامـي في المـجـتمـعات العربية الـثـائرة بــرداء سياسي جـديــد ..!!

زمـانُ لـهجـةِ الغضبِ و الانتـفاضةِ والمعارضةِ قــد ولّــى، وزمـانُ الفضـحِ وكسبِ الجـمـاهيرِ بـدافـــع البُـعـد الديني قـد مضى، ليـحـل مكـانَهـما زمــانُ الفـعلِ والمبادرةِ والتخطيطِ وتمريـر الأفـكـار السياسية من منطلق الإيديولوجية الواضحة، و بـلـوغ مطامح التغيير المجتمعية الـمُـعـلن عـنـها في المخططات الحزبية.
لـم يستبعد أحـدٌ تنصيبَ الإسـلاميين أنفسِهم على رأس قـبـة تسيير البـلد في ليبيا، لـعلاقتهم بقـطر؛ البلد الذي تــزعـم مساندتَهم طيلة ثـورتــهم على العقيد المجنون، ولم يتركـوا أصغر فرصة تـمر ليبرهنـوا للشعب الليبي الثـائـر تشبثهم بـالإسـلام ديـناً، ويكشـفـوا للغرب القريب والبعيد انفـتاحهم واعتـدالهم، وتبنيهم لـمـضـامين الإسـلام المـعـتدل.
في تونس، بخلاف ليبيا التي رَشَــحَ خلال ثورتـها الـمجلسُ الانتـقـالي دونـمـا انتخـاب في بدايته، أفـرزت أول انتخـابات بعد ثــورة البوعزيزي فـوز الإسلاميين (= حزب النهضة)؛ لتكـون الصفعة موجهـة مباشرة لـكل مَـنْ مـثـلهم طيلة عـقود من منطلق مـا هـو علمـاني.
يحصل الشيء نفسه في مصر؛ التي لم تهـدأ ثـورتـها حـد السـاعة؛ لأن جـيـوب مقاومة مَـنْ لا بركة ولا حسن لـه مـا تزال تعشش في مـؤسسات الـدولة، ويظـل المصري البسيط، مَـنْ أشـعل فتيل الثورة وأقـام قـواعـدهـا غير مـدرك كيفية اجـتـثاث جذور بـقـايـا النظام القديم، ويحصل أيضا أن يتصـدر ممثلو جماعة الإخـوان المسلمين إلى جـانب السلفيين لائـحة الـفـائزين بـأصـوات الـثـائرين حدود الـمرحلة الثانية من الانتخابات، و لا شك أنهـم مَـنْ سيقود قطـار المشهد السياسي المقبل في مصر.
أما المغرب؛ الذي نُـعـتت ثـورته بالسلمية في كل المنابر الإعـلامية، وتبـجّـح بذلك العديدُ من قـادة الأحـزاب بـما لا يدع شـكـا في أن جـل تلك القـيـادات لم تكن ترغب في أي تحـول سياسي، أو تغيير في الخريطة السياسية، لأن الأمـر ببساطـة سيطالـها أولا، ويكشف أوراقـها المُـنْـبَـنِـية على أن "الزعامة السياسية أو الحزبية متوقفة على استبلاد أبناء الشعب"، فقد أنـار فيه مصباح العدالة والتنمية و غطى نــورُه ضبابيةَ عـديد من الأحـزاب والتحالفات الوهمية، في سابقة من نوعـهـا لـفوز الإسلاميين بـالمغرب.
تكشف إذن الثـورات العربية، من تونس إلى مصر و ليبيا ثم اليمن حتى المغرب، بــاختلاف أشكــالهـا، من صِـدامية و دمـوية قـاتلة إلى سلمية أن الـمنطلقَ الإسـلامي تـحـكّـم في خيوط نسجِـها، وجعلهـا تغذية راجعة يـحـن فيها الـمواطـن المسحـوق إلى أيـام خلت، برهنت في وقـتهـا أن الـسلاح الحقيقي في أي تغيير هو الإيـمان بالقضية، لا الارتكان إلى شعارات تَـعـتبرُ مـا يحصل قضـاء وقـدراً على أمـم ضـعيفة.
هذا الإيمان بالقضية دفـع الإسلاميين بأن يحـصنوا القواعد الداخلية أولا، ويُحكِّموا اللعبة الديمقراطية من داخل أحزابهم؛ قبل أن يطالبوا بهـا الدولة .. وهـو مـا فـعله "حزب النهضة" بتونس، حتى حـوكم عليه بالإجهـاض كـم مـرة، ونُفي زعيمه خـارج البلد.
ومصـرُ الإخـوان المسلمين، تـاريخُهم عـريقٌ في مسألة التنظيم، وبناء الفكر الـحـامل للقضية كـان أولى اهتمـامهم، وبعد مخاض طويل لـنزع الحسبان من الطرف الآخـر؛ الذي اعتقـد أنه أحـكم قبضته من أي انفلات قد يحصل من قِـبَـلِ الجمـاعة، سجل التاريـخُ القـدرة الـعالية على الصمود، وتحين فـرصة لَعِبِ دور الـمهاجم الكـاسح، وهـو مـا حصل فـعلا؛ وإن بشـكل سريـع غـير مـتوقـع.
ليبيا الخضراء، كما يحلو لقـائدهـا المجنون تسميتها، وفي الأمـر طبعـاً دِلالات عميقة، تكشف أن الضوء الأحـمر غير وارد في سياسته الداخلية، حتى يمنعه من فِـعْـلِ مـا يريد بشعبها، وبالمقابل أشهـر سيفه أمـام مَـــنْ تسول له نفسه التخمين في إنشاء حزب أو مـا شابه؛ بذلك لا يعدو فيها أي تنظيم للإسلاميين يـذكـر، عـدا مـا يحدث في الخـفـاء بمسميات مختلفة، ومَـن علم المجنون بسـريرتــه في الأمـر فنتيجته الإعــدام.
مـا يؤكد كلامـنا السابق، وإن يبدو الأمـــرُ عـاديا بالنسبة للبعض، هـو الالتفـاف الجماهيري الذي يحصل كل جمعة بشعـار يـرسـم الخط التصاعدي النضالي. أكثر من ذلك، وهذا مـا تبثـه القنوات الإعـلامية مباشرة، انخـراطُ خطباء الجمعة في هذه الساحة أو تلك، في توجيه المسـار، بل وقيام الصلاة جمـاعة أمـام الكاميرات، وما يعقبهـا طبعا من دعـاء لنصرة الـثـورة.
الـمَـشَـاهـد يوم كل جمعة، من اليَـمَن حتى ليبيا مرورا بمصر، والخطب في تشابهها زادت من دعـم الإسلام السياسي، ومكنته من اكتساح الساحة، وهو (المستـغِـل) ما تـتمتــع به الشعوب من هوية إسلامية تصعب زعزعتهـا.
في المغرب؛ ولأن نسيـج 20 فبراير يغلب عليه طـابـع جماعة العدل والإحسان، مع استحضار الطابع (السلمي) للثورة المغربية، ودرجة سقف الـمطالب، وحصرهـا في إسقاط الفساد والمفسدين، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وما يتبعها من اشتقاقات، يُـظـهِـرُ طـغيـان الـبُـعد الـمـتحـدّث عـنه، خاصة في خـط الشـعارات، و الإرباك الذي تـحدثه الانشقـاقات داخـل صفوف الحركة، لدرجة تتفيأ فيه المظاهرةُ الـواحدةُ إلى مجموعتين في بعض المدن، مدينة مراكش ذات تظـاهـرةٍ مثلا، بل والتساؤلات العميقة التي وُوجهت بها الحركة عقِبَ تجميد مشاركة العدليين بعد فــوز حزب بنكيران عـن مدى قدرتها على الاستمرارية أو تـوقـفـها.
فــي كل هـذه البلدان التي رشّـحت الإسلاميين ثـوراتُـها، تكشف الأيام القليلة بعد فـوزهـا تحكيم العقل السياسي من قِـبَـلِ زعـمائـها بدل الفكر الـمرجعي، ومنه لا غـرابة لديـها في مباشرة تصريحـاتٍ تُـطَمئِـنُ الآخـر بأن الـحريـاتِ وحقوقَ الـمرأة مصـانـة؛ الغنوشي في تونس و مصطفى عبد الجليل في ليبيا. ثم لا مـانــع من فـتـح الأذرع للمختلفين معـها أفـكـارا ومـبادئ؛ بنـكيران في المغرب؛ في بـادرة منـه لـزيـارة أعــداء الأمـس، واسـتضـافة بعض سـفراء الدول الأجـانب. أكـثـر من ذلـك السفـر إلى الهـناك لتقديم تصريحات ثـورية؛ كـما فـعـلت اليمانية في بلاد العم سام.
سياسـيـاً، ومن منطلق الـفـاعل كـما المحلل السياسي تبدو هذه الـخطوات مطلبـاً تقتضيه المرحلـةُ، وفِـعـلاً لا يثير اهتمامـاً بـالـغـاً، لكن الـسـؤال المشروع من منطلق التفكير الشعبي البسيط: ألا تشكـل هذه الاستبـاقـات في التصريحات والتطمينات تنـازلا لا ضـرورة للإقـدام عليه ..؟؛ في لحظة لـم يشرع هـؤلاء بـعـدُ في ممارسة مهامهم الـحكومية، وأكيد ذهب الأمـر بـالمتسائلين إلى خشية الـمد العلماني الذي سـارت على دربــه الـجهـات التي وجِّـهـتْ إليـهـا الـرسـائل المـشفّـرة على شكـل تصريحـات وسلوكـات مـجـانية.
نعود للمغرب؛ البلد المختلفة ثـورتـه عن باقي البلدان الـثائرة. معظم الأحـزاب فيه لم تستوعب التحولات التي سار في خطها الدستور الجديد، وتسببت في حدوثـها الـقاعدةُ الشعبيةُ، حتى إن انتخابات 25 نونبر أشـهرت بطاقـة حـمراء في وجـه قـادة وأعـضاء العديد منها، والتي كانت إلى عـهد قـريب تـتـوهم امتلاكـهـا قـواعد من أبناء الشعب، وأن مخططاتهـا وأفكارهـا لـهي البديلُ الحقيقي في المرحلة الـمقبلة، في نوع من استحـمار العقل المغربي؛ الذي يعلم أنـها قـادت الحكومة لسنوات طـويلة، ولم يأت منـها غير تفريخ أعـداد لا حصر لـها من الـمعطلين واستفحال كل الـظواهر التي تسببت في إعـاقة قـاطرة التنمية المجتمعية؛ علما أن هناك مشـاريـع كـبرى حقيقية تَـــم تبنيهـا، غير أن اليـد الطولى للمفسدين في البلد دائمـا تقف حجرة عـثرة في إتمامـهـا وجـعلها تعرف صورتها النهائية، كما غياب الرؤية السياسية الناجعة للحكومة مع غضـها الطرف عن جيوب المقاومة التي أشركت العديد من المسؤولين في اللقمة الساخنة التي إذا تكلم صاحـبُها هـو أول مَـنْ تـحرق لسـانه.
هـذه الأحـزاب التي بان فشلُـها، وحكم عليها الصوتُ المغربي إبـان الانتخابات الأخـيرة بالفناء، آن لـها أن تنسحب صـاغرة مذلولة من المشهـد؛ فلا يُـعقل أن يُحـصِّــلَ حـزب على مقعد واحد أو دونه، ويظل مستمرا في الساحة، بنفس الشعارات الجوفاء والوجوه الكاذبة المألوفة. كفـى من الخلبطة السياسية وكـثرة الأحـزاب التي أصابت المواطن بالتخمة، وأكيد سـاهمت بجانب كبير في تضييـع المال العام؛ من خلال حملتها واستغلال الإعـلام فيما لا يعود بالنفع على أبناء الـوطـن.
مـوازاة مـع هـذه الخلبطة السياسية المرهونة بالتحول القسري الذي فُـرض على المـغرب أفـرز المشهـدُ حـزبـاً، كـان معارضا على مـر سنوات، مـنـظما في هياكله وقـواعده، فـفـاز بذلك خلال انتخابات 25 نـونبر بنسبة من الأصـوات عالية، أبـعدته عن مجموعـة من الأحزاب الفارغة، حتى التي استقوت ببعضها فيما سمي "طاجين الثمانية". وبذلـك كـلف ملك الـبلاد أمينه العام بنكيران بتشكيل الحكومة البديلة القمينة بإحـداث تغييرات جذرية، يساعـدهـا في ذلك مـا خولـه الدستـور الـجديد من مـفاتيح حديدية لـرئيس الـوزراء، حتى يتحـمل وحكومـتَـهُ كـامل المسؤولية في تسيير البلد، إذا مـا قام الطرف الآخـر بدوره الـفـعـال المـخول لـه كـمـعارضة حقيقية، يهـمهـا الـوطن أولا وخدمتَـهُ كـأسـاس ومنطلَـق من العملية السياسية برمتـها.
هذا ونسجل أخيراً أن الإرادة الواضحة لرئيس الوزراء من خلال تصريحـاته بشأن الاهتمام بالقطاعات التي تلامس شؤون المواطن عن قرب، تشجع على الارتيـاح المبدئي لِـما ستؤول إليه التنمية في البلد؛ إن لم يكن من وراء الخطاب كثير من الاستفهامات.
ثم إن تـاريـخ الـرجل يشهد لـه بالإقـدام والـجرأة، كمـا إن حـزبه أظـهر خلال هذه الانتـخـابات حـس الـمسؤولية، والاستمرار في تجسيد الديمقراطية الداخلية. انكشف ذلك في الأسلوب الـمعلَن عـن اتـباعه في مسـألة استوزار أبناء الـحزب.
فـي الـمـقابل يظل التخوف قـائـماً، لـمـا نـعاين أحـزابـاً أخـرى مشـاركـة في الأغلبية الـحـكومية، بعـضُ أعـضـائـها متـورطـون في ممارسـات سـابقة لا مسؤولة، يـعرفها الـمـواطنُ الـمغربي، ومـع ذلك تُـظـهِـرُ الـمشـاوراتُ المـا قبل الإعـلان عـن أسـماء تشكيلة الحكومة أنـها - ربمـا - سـتُـسـتـوزَرُ مـرة ثـانية، زد على مـا تلـوكه بعضُ الألسـن الحزبية من استمـرار الـمحـابـاة والقرابة في تقديم عضو على آخـر.
.................
محمد بوشيخة
كاتب وصحفي من المغرب