الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

المطلقاتُ كائناتٌ إنسانيةٌ مع وقف التنفيذ !!


صيغةُ العنوان نابعةٌ من متابعةٍ طويلةٍ، ومحاوراتٍ عديدةٍ مع بعض المطلقاتِ، أوصلتنا إلى أمور قد لا يجهلُ دروبَها عديدٌ من الناس، ومجرباتُ الطلاق لهنّ حكاياتٌ صادمةٌ في الموضوع؛ لدرجةٍ يَـشعرن فيها بفقدان آدميتهن؛ للنظرة التحقيرية التي يُـواجَهنَ بها من طرف المحيطين، داخل الأسرة ثم الحي، أو الشفقة المغلفة بفيروس الاستغلال من طرف الموكلين المحامين في القضية؛ قُـبَـيْـل التطليق أو الطلاق، والرجال بحثاً عن لذة عابرة، مأمولة العواقب، إلى حد ما، حسْبَ فهمهم الضيق للعلاقة خارج الإطار المحكوم بمرجعية ما.
ما يُحسب لهذه الوقفة في اعتقادنـا واقـعيتُها، واحتكاكُها مع المعنيات بالأمر، في عناوينَ كان أولى لها أن تُـنـشرَ في وقـتها في شكل متابعاتٍ صِحفيةٍ، لكن تلبيةً لرغبةِ المعنيات بها، وخوفهن من الاحتكاك بمن تسبب في جُرحِهن، أو الإساءة المباشرة لهن، مع تباطؤ الإنصاف في دولة تسمى دولة الحق القانون، ارتأينا ترك الأمر في وقـته، لنعود إليه حالاً، نازعين عنه صفة الخصوصية، وإكسابه طابعاً عاماً، يمكن أن يقدم لنا نظرة، ولــو غير متكاملة الجوانب، عن واقـع مبغوض، يرفضه كلُّ ذوي ضمير حي، ولا يتمناه أحدٌ لأهلهِ وعشيرتهِ وبني جنسه، وإنْ حصل الطلاقُ، فهو أمر لا ينبغي أن يترك صاحباتِــهِ عُرضةً للشتائم والتبخيس، ومن هذا الباب وجب الاشتغالُ اجتماعياً وثقافياً على مفردة "الطلاق" وإكسابها مسمياتٍ أخرى، على الأقل تُـفرغها من الحَمولةِ التي ألصِقتْ بها دون وجه حق.
أولاً: حكايةٌ واقعيةٌ بعنوان: "محام يـتحرشُ بموكلته بعد تطليقها"
بعد مرارةٍ طويلةٍ وحسرةٍ مريرةٍ تنفكُّ المعنيةُ بالأمر من شريكها الذي شرّبها كؤوسَ العلقم لعدم مسؤوليته وتهـوُّره ولا حس له بـعُشّ الزوجية.
كلُّ ما يخطرُ على بال امرأةٍ تعاني من تصرفاتٍ لا إنسانيةٍ من زوجها يقوم بها هذا الذي اعتقد نفسه فوق مسطرة القانون (تصرح طليقتُه)؛ ظــانّـاً أن زمنَ السيبةِ ما يزال مستمراً.
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة تحكم المحكمة بالتطليق للزوجة المطالبة به، وتــذر الرماد في عينَيْ زوجها الذي تـوعّدها كم مرة بأنه سيُجرجِرُهـا ولو أنه على أخطاء كثيرة ومشينة.
مهما تعاظم أمـرُ المدة التي قـضّـتها المطلقةُ تجر أذيالَ خيبةِ زواجٍ أوّلٍ غير محسوب الخطى، لايشبه دناءةَ ما فـعله المحامي المكلف بالقضية؛ إذ المفروض منه الدفاع عن المظلوم تحقيقاً للعدالة، لا استغلال وضعية امرأة مطلقة؛ ليرغب التلاعب بعواطفها المشتتة، تلبية لـمآربه الشخصانية المريضة.
- المحامي متصلا بالمطلقة: آلو، أنا المحامي فلان، أريد التحدث معكِ في موضوع ما.
- المطلقة: أي موضـوع ؟، ليس هـناك بعدَ إنهاءِ القضيةِ أي موضوع يمكن أن نتحدث فيه.
- المحامي: أريد الزواج منكِ !، سأطلق زوجتي، أُغرِمتُ بكِ مدة متابعة القضية، ماذا تقولين؟.
- المطلقة: لا أريد، لا أرغب في ذلك.
و بعد أيام ليست بالكثيرة، وليتبينَ المـتـتـبـعُ أن المأمولَ منه حمايةَ العدالةِ الإنسانية متزوجٌ، ولأن اللعبَ بمشاعر النساء اللواتي يوكِّـلنَـهُ ديدنُـهُ (= وهذا حُكمٌ عام يمكن تصريفه عليه بسبب هذه الحادثة)، وبعد أن عـلِـمَ عدم رغبة المطلقة الزواج منه، كشف عن سرائره، قـائلاً: (= عْـلاش ما نْـتْصاحْبـو، وْنـتْـلاقـاو مـرّة مرّة، اُو نْـعتابْروا القضاء مَـبْـغاشْ جوج تاع المحبين اتـزوجوا .. خْـصْنا نـحْتارموا مشاعرنا).
يـا لها من عباراتٍ دارجية مسكوكة بمدادِ حامِي الـقضايا، في زمن ردئ أبقاه بهذه الصفة إلى اليوم (1).
ثانياً: دراسةٌ ميدانيةٌ في شكل حواراتٍ مـع عديدٍ من المطلقات:
لن نشير إلى أسماءِ المعنيات(2)، كما لبلداتهن، اتقاء مضايقاتهن من الأقارب أو لومهن عن جرأتهن في تقديم معطياتٍ صادمةٍ، تكذِّبُ كـلَّ حديثٍ عن التنميةِ التي وصل إليها المغرب، وتخبر بأن الزمنَ ليس للمدونات والتشريعات، بقدر ما أننا في حاجة إلى خلخلةِ العقلياتِ والبناء من الأساس، ثم النظر إلى هكذا مشاكل اجتماعية وهي ضمن أخرى (اقتصادية وسياسية وثقافية)، تشكل جميعُها بنيةَ قيمٍ، لايمكن حَلْحَلتُها بشكل مستقل عن بعضها البعض.
أولا تؤكد الدراسةُ أن معظمَ المعنيات بالطلاق يتراوح عمرهن بين سبعَ عشرةَ سنةً وواحد وعشرين، مما يعني أن بُـنـداً من بنود المدونةِ يُضربُ عرض الحائط، ليس الأمر مرتبطاً بزواج القاصرات فحسبُ؛ إنمـا يتعدى ذلك إلى أنهن تزوجنَ وتطلقنَ وهنّ في دائـرة المنعوت بالقاصر.
تُـجمِـعُ معظمُ النساء اللواتي التقيناهن أنّ السببَ المباشرَ في الانفصالِ عن الشريك يرتبط بالعنف. تصرح «زهرة» ذات الثمانية عشرة عند طلاقها بعد زواج لم يتعدّ السنة الواحدة أن "السببَ الرئيسَ في طلاقي هو العنف، فزوجي يضربني باستمرار، مما جعل المعاشرة تمر في صراعات دائمة"، من جهة أخرى تذهب كل من «رقية» و «حفيظة» إلى كون عدم قدرتهما على الإنجاب كان كافياً لوضع حـدٍّ للعلاقة الزوجية.
تشعرُ هؤلاء النساء وكأنهن فاقدات الآدمية؛ لأن المحيطَ بكل تلاوينه ينظر إليهنّ نظرة شزراء، مغلفة بكل أنواع التحقير والتبخيس والرفض.
فبعد أن طرحنا سؤال: "كيف ينظر إليكِ مَنْ حولَكِ بعد الطلاق؟" أتى الجوابُ بالصدفة موحداً، وكأنه محضُ اتفاق. يَـقُـلْنَ:
"نظرتهم إليّ مختلفة تماماً عن نظرتهم للمرأة المتزوجة، وتتغير حسْبَ طبيعة الإنسان؛ فهذا يحتقرك وآخر يسخر ويستهزئ منك، ثم هناك من يُشفقُ عليك، لكن في المقابل لن تجد من يحترمك". تصرح «حفيظة».
"المرأة المطلقة مقيدة بالشبهات وأقوال الناس، فمجتمعنا لا يرحم". تقول كل من: «سلطانة» و «رقية» و «نزهة».
"الناس عامة ينظرون إلى المرأة المطلقة نظرة شفقة واحتقار؛ كأنها مجرمة أو مذنبة" تصرح «زهرة».
مُــخْــرَجَـاتُ الطلاق عند هؤلاء النساء، بما يرتبط بذلك من مسبباتٍ ونتائجَ مخجلةٍ، يكون مردّهُ إلى عامليْن أساسيْن:
الأول له علاقة بالأسرة التي تدفــع بالبنتِ إلى الزواج مرغَمةً من شخص لا تريد الارتباط به أصلاً، إثر ذلك تنبثقُ كـل أنـواع الصدامات والنفور بين ذاتيْـن لا يجمع بينهما إلا الانتماء إلى حقل "الإنسان"، في غيابٍٍ تامٍّ لمبادئ الإنسانيةِ والأعراف التي تنظم العلاقاتِ بين كائناتٍ تنتمي إلى مجتمع ما، فبالأحرى وهما في إطـار علاقة نظمها الشرع والقانـون في بلد يزعُــمُ أفرادُهُ أنه قطع أشواطاً في إرساء ما يطلق عليه "دولة الحق والقانون". تعبر عن ذلك «رقية» بحسرة مريرة، وهي المطلقةُ عن سن السابعة عشرة "السببُ الرئيسُ في طلاقي من شريكي هو عدم إنجابي، والصراعات الدائمة بيننا؛ لأني تزوجته مرغمةً دون أي شعور بالحب تجاهه"، تلتقي معها «زهرة» التي لم يأخذوا برأيها عند الزواج؛ لأنها لم ترغب في القِــرانِ من أساسه لسنها الصغيرة؛ فهي في تلك اللحظة كما تـعبر عن ذلك بنفسها أشبه بــ: "النكرة".
الثاني يرتبط بالـدولة في أمر تعاطيها مع ملف الأسرة، فهي تعتقد أن هكذا كيان يمكن الحسمُ في الكـثير من مشاكله بحُزمةٍ من القوانين، التي لا تبرح أوراقَها، ولا تجدُ لها طريقاً إلى عقليةِ المسؤول (القاضي) عن تطبيقها وتمريرها إلى سلوكات يومية، كما لا تستطيع النفاذ إلى عقلياتٍ ألِفتِ التعاملَ مع ما تسميه خصوصياتٍ بنـوع من المِـزاجيةِ المفرطةِ، ضاربين عرض الحائط ما يأتي به القانـون إذا باشر التطبيق.
هذا إذا اعتبرنا أن الدولة تُـقْـدِمُ على مثلِ هذه الإصلاحاتِ بـحُسن نيةٍ، أما وأنّ الأمر يختلط بما هو سياسي، فهناك من يـزعُم ألاّ صلاحيةَ عندها في صفاءِ الأسرةِ ونقائِها، ومن ثَـم تَـفَـرُّغِـها لأمـور هي عنها لاهية؛ إذا غاصت حتى الكعبين في بحر مشاكلها، فيما بين أفرادها. وما الطلاقُ والصراعاتُ الـقَـبْـليةُ ثم البَـعْديةُ له إلا مثال عن تلك المشاكل العديدة.
الدولة يجب أن تقرأ الظاهرةَ من مسبباتها، لا من نواتجها، وتذهبَ حدّ معالجـتِها بشكل متدرج، لا يشكل القانونُ إلا جانباً من الحلِّ. أما اعتبارُ المجتمع المدني شريكاً في الأمر فمقبولٌ متى كنا أمام وجه حقيقي له، بعيداً عن المزايدات والاستغلال السياسوي للإطارات المدنية، فهي مدنيةٌ في الواجهة، مشبوهةٌ ومغلفةٌ بكثير من الألوانِ في العمق.
إن المرأةَ المطلقةَ كائنٌ إنساني دون وقف التنفيذ، وعوض أن نطلبَ منها التريثَ في علاقةٍ زوجيةٍ مشوبة بكل أنـواع القهر والذل؛ وأن تصبر على عنجهية زوج لا يُـقـدر عش الزوجية، أولى لنا أن نطلبَ من المجتمع بكل أطيافه ومؤسساته أن يرأف بـها، فلا الزواج ولا العزوبية يمكن أن يشكلا قيمةً مضافةً في إنسانيةِ الإنسانِ. ويبقى الإنسانُ إنساناً، وتظلُّ تلك الصفات عوارض لا تمس في جوهر إنسانيته.
هامش:
(1): هكذا كُتبت المتابعة لحظة حَـصَـلَ الفعلُ ولم تُـنشر، مع إزالة اسم المحامي، للأمر الذي شرحناه في التقديم.
(2): ما سَـيَـرِدُ من أسماء في المقالة فمن باب المستعار منها.
..................
محمد بوشيخة
كاتب من المغرب

السبت، 13 أكتوبر 2012

ابـن زاكـورة، يا ابـن أمــي: عـذراً لأنـهـم تـعـمّـدوا قـتـلَـك !!


إلى شهداء الثلاثاء الأسود؛ أبناء زاكورة الحبيبة ومَـنْ معهم.

ابن زاكورة، يا ابن أمي، نم هنيئاً في قبرك، ودع للزمان وحده الانتقام لروحك، أنت مَـنْ اعتبروك مذ ذاك الزمان السحيقِ السحيقِ مجردَ حارسٍ للتراب في ذاك المكان البعيدِ البعيدِ.
ابن زاكورة، يا ابن أمي، لا تضجر، اهنأ بمرقَـدك الأخير، ولو بموتة شنيعة، لم تستحق عليها ولـو يوماً حداداً وطنياً، لا، ولا دعاءً مخصصاً منبرياً، شأن ضحايا وطنيين هنا وهناك.
ابن زاكورة، يا ابن أمي، لا تلتفتْ لما يأتيك من أخبار عـن سبب موتك، واحتسب أمرك لخالق الحجر والبشر.
ابن زاكورة، يا ابن أمي، أستسمحك عذراً؛ لأني اكتفيتُ بالنحيبِ صُراخـاً لمُصابك، أستسمحك عذراً؛ لأن التربة الشهباء، والصحراء الجرداء، والحرارة الحمراء، أخبرتنا من ذاك الزمان أننا من غير أهل هذا الزمان.
ابن زاكورة، يا ابن أمي، كل سنة، بل كل فـرصة خلال السنة، تغفو وتصحو في تلك الطريق البعيدة البعيدة، وكأنك بعد تجاوزها بسلام مولودٌ جديدٌ.
ابن زاكورة، يا ابن أمي، ما حاجتك للتعويض (لسورانس إن حصل!؟) عن حادث مقتلك، وأنت مُـزِّقتَ أشلاءَ، في صباح ذاك اليوم المشؤوم، ومَـرَّغَتْ صورَكَ معظمُ قنواتِ المعمور.
 ابن زاكورة، يا ابن أمي، فلتصرخ من هناك، ولتندد، عسى صوتُـك يغير صورة تلك المدينة، المحكوم عليها بالتهميش، وعلى أبنائها بالتبخيس.
ابن زاكورة، يا ابن أمي، مَـنْ ترى مسؤولاً عن ضياع حياتك، تلك الطريق أم ذلك السائق أم هي نفسك ؟؟.
ابن زاكورة، يا ابن أمي، لا تُتعب نفسَكَ بحثاً عن جواب، فالشمسُ لا يخفيها الغربال، لا هو ولا أنتَ، لا الطريق ولا حتى القدر قادرٌ على رد شبح الخطر.
ابن زاكورة، يا ابن أمي، لا غلابَ ولا ربّـاح جرّب السير هناك، ولا هما ركِبا حافلةَ مِـنَ التي تطوي الطريق وتلامس السماء.
ابن زاكورة، يا ابن أمي، لا يغيضك ما خلفته مدونة غلاب، ولا يهمك ما ذهب إليه رباح؛ الرائي بأن السائق هو المسؤول الأول والأخير فيما حدث، غير مشير إلى يد الباطرونة وعدم اهتمامها بحالة الحافلات. دون استحياء أيضا لم يشر لوحشية تلك الجبال ووعورتها، ورفع يد الوزارة وتجاهلها. ومَـنْ مِنَ الوزراء يعلم أخبارَهـا، وهو لم يعبرها بالسيارة راكباً، أو مع الركاب في الحافلة مزدحماً، فـمَـنْ رأى وزار يعرف ما ترويه حكاياتُ الهبوط والنزول من مآسي، كثيراً ما تغافـل عنها إعلامهم غير الوطني. ولِـمَا يحكيها ؟، بل ولِـمَـنْ يحكيها، فمعظم سكان الجهات الثلاث يعتقدون زاكورة مكان خلاء، نعم هي كذلك في عُـرفِ المخزن، ولا تليق إلا لتأديب بعض الكبار، إذا اقترفوا جُـرماً في مدينةٍ محترمةٍ؛ بها مواطنون من درجة أولى أو ثانية، أما ساكنة زاكورة المساكين، فتعاظم الأمر عليهم، بين جو قائظ، وبلد ظالم، ومسؤول جائر (= كل المسؤولين الذين تعاقبوا على تسيير الشأن العام هناك، وساهموا في تقبير كل المشاريع التنموية، وعدم تحريك الحاجات السكانية؛ بما فيها المطالبة بتشييد نفق "تيشكا").
ابن زاكورة، يا ابن أمي، لك أن تعلم أن تلك الطريق التي سطت على روحك، أولى لها أن تُهيكل بنفق طويل مذ زمن بعيد؛ كما حكت لي أرشيفاتُ التخطيط، لكن حصل معها مثل ما حصل معك، إهمالٌ وإسفافٌ، وتحويلٌ لرؤوس الأموال إلى آدميين مثلك، لم تعد الحافلاتُ (الطوبيسات أقصد) تليق بمقامهم، فـ"تْـرَامْواي" وحده يميزهم عنك، "ولتنطح رأسك على حيط" = بالدارجة: "شي ماصْوبوا ليه الطريق باش اوْصلْ اهلُوا البْـعادْ بآلاف الكيلومترات، شي تبرعُـوا عليه بترامواي". أكثر من ذلك، ولأنهم يسايرون زمن العولمة، استوردوا القطار فائـق السرعة "التي جي في" بأموال صاروخية، أولى لها أن تذهب إلى تلك الجبال العالية، لتحفر بطنها، وتعيد لها الحياة، قبل أن تأتي على قرابة خمسين روحاً.
ابن زاكورة، يا ابن أمي، أعلم أن روحك كانت ستشفع للمسؤولين عن القطاع، لو تداركوا أمر المصيبة، وأعلنوا مباشرةً باتخاذ قرار التغيير، والشروع في تشييد النفق الطويل، وحاسبوا كل من ساهم بشكل مباشر أو غير ذلك في ضياعك، أم أنهم شكلوا لجنة للتحقيق، ستقول كلاماً ينبئ بالتحقير، ويبرئ كل المسؤولين عن التدبير، ويُـسرِّحُ من مرت على محطتهم الحافلة (خمسة براجات أو أكثر)، وهي تتجاوز عدد الحاملين دون توقيف، أو حتى تفسير، غير التفسير الذي يعلمه من يخالف القانون، في ظل وجوده، لكن دون مُـفـعّلٍ أو حسيب أو رقيب.
ابن زاكورة، يا ابن أمي، تمتع بعرض الطريق هناك، وانسيابِها، وانس الأيامَ وجِراحاتِهـا. هناك الطريق واحدةٌ، والجنةُ عرضها السمواتُ والأرضُ، لا الشمال غير الجنوب، ولا مُواطن غير مواطن. هناك العدلُ، فلا درجة أولى وثانية وثالثة (وابن الجنوب الشرقي درجته لا أدري !؟).
ابن زاكورة، يا ابن أمي، نم هنيئاً في قبرك، ودع للزمان وحده الانتقام لروحك، أنت مَـنْ اعتبروك مذ ذاك الزمان السحيقِ السحيقِ مجردَ حارسٍ للتراب في ذاك المكان البعيدِ البعيدِ.

ذ. محمد بوشيخة
كاتب وصحفي من المغرب
mljabri1979@hotmail.com

الجمعة، 31 أغسطس 2012

الأداء عن الصلواتِ أثناء الصلواتِ يضربُ في عُـمـقِ دولةِ المؤسساتِ

لسنا دولـةً حديثةَ الاستقلالِ لننتظر عقوداً عَـلّـنـا نهيكل قطاعات حيوية؛ تشكل معمار الدولة الحديثة، كما لسنا في دولة لا دينية حتى نهتم بقطاعات ونغفل تأهيل قطاعٍ يشكل عصب الأمة، وأي خلل فيه قـادر على زعزعة الاستقرار المجتمعي؛ بل وقادر على تحريف مسار الاهتمام البشري، مِنْ "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا" (الآية 77، سورة القصص) إلى كائنات تعتبر الدنيا دار زهد ومجرد تعبّـد لا ينقطع ليل نهار، في وقتٍ تنقل إلينا الأخبار أن «عيسى عليه السلام مـرّ برجل من بني إسرائيل يتعـبّـد، فقال له: ما تصنع ؟، قال: أتـعـبّـد؛ قال: ومَـن يقوم بك ؟، قال: أخي ؟، قال: أخوك أعبد منك. ونظير هذا أن رفقة من الأشعريين كانــوا في سفر، فلما قَـدِموا قالـوا: ما رأينا يا رسول الله بعدك أفضل من فلان، كان يصوم النهار، فإذا نزلنا قام من الليل حتى نرتحل؛ قال: فمن كان يَـمْـهن له ويكفله ؟، قالـوا: كلنا، قال: كلكم أفضل / أعبد منه» (العِقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي).
أصلُ هذا الكلام موقفان حــزا في نفسي كـثيراً، سببُهما جهلُ الناس في ارتباطٍ بعفويتهم، وسوءُ تدبير القطاع الديني من قِـبلِ وزارة التـوقاف والشؤون الإسلامية، واللااهتمام بركن أساس في دولةٍ أولُ سطور دستورها "المغرب دولة إسلامية".
الموقف الأول، والذي ما وجدتُ له عنوانـاً غير استخلاص الأداء عن الصلاة، صلاة التراويح والعيد أقصدُ. فخلال هذا الشهر الكريم؛ الذي حـلّ وارتحل في انتظار عودته الميمونة، كنتُ أصلي صلاة التراويح كـأيـها الناس في مصلى بجماعة تابـعـة لمدينة أكـاديـر فإذا بفقيهِ المسجد، المعتَمَـد فيه، يستوقف الناس ذات مرة بعد آذان صلاة العشاء وبعدها التراويح، ليحدثهم عن أهمية الصدقة في شهر رمضان، وفضل ذلك على الإنسان الصائم في الدنيا والآخرة.
في البدء اعتبرتُ الأمر موضوعَ درسٍ من دروسه التي يقدمها بعد آذان العشاء بُغيةَ تـجـمّع الناس للصلاة؛ ولأني لا أتقن الأمازيغية؛ إنما أتعارك لفهمها وإن بشكل أعرج، ظل السؤال لدي معلقاً، خاصة لما توقف الفقيهُ والناس أمامي ومن حولي يضربون أياديهم على جيوبهم، سألت مَـنْ بقربي فأخبرني أن الأمر يتعلق بجمع بعض المال لِـمَـنْ يـؤمّ الناسَ في صلاة التراويح، وهو القادم من مدينة بعيدة، خصيصاً للصلاة بـهم، لصوته الحسن الرخيم، ولأفضلية قراءته على قراءة فقيه المسجد الـمُـعـتَـمَد.
في تلك اللحظة، التي يمر فيها مََن تكلفوا جمع التبرعات النقدية بأكياس بلاستيكية، أمام الصفوف ليتصدق من يرغبُ (والحق أن الفعلَ ليس بصورة تشبه الأداء في الطريق السيار؛ بمعنى أنّ من لم يؤدّ لا يصلي. لا، فهو اختياريٌّ تطوعيٌّ، ولو فيه بعض الإحراج). قلتُ في تلك اللحظة، وربما وحدي من جموع الحاضرين في المسجد، مَـنْ حضرني سؤالٌ عريضٌ: أيـصـحّ ذلك في دولة المؤسسات ؟؟.
وقبل شرح لماذا السؤال وَجَبَ التنبيهُ إلى أنّ مَـنْ تُجـمَـعُ لأجله النقود هو الإمام الوافد، لا فقيه المسجد، بتصريـح مَنْ سألتُ، بل ومن خلال ما قاله فقيهُ المسجد نفسُهُ، ومَـنْ تلاه حديثاً متحدِّثـاً بلكنة عربية فصيحة عبر مكبر الصوت، ليُفهِمَ الناسَ أن الإمام مجردُ طالبٍ، ما يزال يدرس، وإنه قـدِم من مدينة بعيدة خصيصاً لأجل الصلاة بالناس، وما يتبع ذلك من كلام، هو أشبه بالذين يقفون عند أبواب المساجد بـلَـوْحـاتٍ تُرسَمُ فيها صوامــعُ وتُسَطر عليها آياتٌ، لا يدري الناس أهي في حُـكـم ما سيكون فعلاً، أم إنها حيلةٌ من الـحِـيَل تستقي من أفكار ميكيافيلي قاعدتها.
وَجَبَ التنبيه أيضا أن الفعلَ تكرر مرتين خلال شهر الصيام، عند صلاة التراويح، مع الإخبار الـمُسبَقِ في المرة الأولى أن فريقاً سيعبُر ذات صباح بالحوانيت والديار للأمر نفسِهِ، كما أنه الفعلُ ذاتُــهُ الذي تفاجأتُ به ونحن نــتجمع لصلاة عيد الفطر، مع اختلاف دلالي عميق أن الإمام هذه المرة من الجماعة نفسِها، وربما فقيه أحد مساجدها الجبلية؛ مما يشوش على الأذهان ويزعزع الفرضية المرفوضة أصلاً: حصلَ الأمرُ في التراويح لأن الإمام شابٌّ وافــدٌ وطالبُ علمٍ.
ننبه ثالثاً أن أحد العارفين همسَ إلينا أن الوزارة المعنية عادةً ما تُرسِل مكوِّنيها أو الذين في طور التكوين للقيام بمهمة الإمامة، خاصة في موسم التراويح، لِـمَا يملكه هؤلاء من صوتٍ جميلٍ وقراءةٍ جيدةٍ لكتاب الله، وإذا ثبتَ هذا فالمصيبةُ أعظمُ؛ مما يعني أن الإمـام أكيدٌ سيُعوَّضُ من قِـبَـلِ الجهة المرسِلة، فلماذا يلتجئ لطلب الصدقة / التعويض بشكل مباشر من المصلين ؟.
وما دمنا لا ندري صحةَ التنبيهِ الأخير من عدم ذلك، وجبَ وضعُهُ بين قوسين (؟)، لنعرض الظاهرة أمام مشرحة التحليل، في بلد استقل عشرات السنين، مما يعني أن له أفْـقـاً واسـعاً في هيكلة القطاعات ومأسستها برهاناً عن دولة الحق والقانون.
لا أحد يجهل انخراط البلد فيما سمي بــ"تأهيل الحقل الديني" مذ سنواتٍ، درءاً لِما قد تُـنـتـجُهُ بعضُ المؤسساتِ من تفكير إلغائي. وبذلك سعت الدولة إلى تكوين ما نٌُـعِـتَ بـــ"المرشدين الدينيين"، فأصبحت تعتمدهم في عدد من المساجد، دون مراعاة لِـمَـنْ يحتلها من قبلُ، كلمة الاحتلال هنا تنبع من معرفتي ببعضها في البوادي، وأحياناً في المدن الصغرى، لـمّا يُـعـمِّـرُ الفقيهُ عقوداً، يلوك نفس الـخُـطَـبِ ويفرض نفسَه على من يرغب ومن لا يرغب.
هؤلاء المعمرون القدماء أولى للدولة أن تمنحهم تعويضاً منتظماً، وتعفيهم من الممارسة، لـتُـعفي نفسَهـا من الظاهرة الجديدة (الفقها في تظاهرة)، ومعلوم أيضا أن مِن هؤلاء مَـنْ تجود قريحته ويبين تكوينه عما لا يملكه الـمكــوَّنُ الجديد.
أين الدولة، ومن خلالها وزارة التوقاف والشؤون الإسلامية من هذه الممارسات اللامسؤولة، ففي الوقت الذي يجب أن تتحمل مسؤولية النفقة على الأئمة؛ وإن حضروا بشكل مؤقت، ليؤمـوا الناس في صلاة التراويـح، نجدها تدع الأمر لأهل الدار، ولعفويةِ الناس وطيبتِهم، المكسوتان بجهلِهم، يُـغدقون على صاحب الصوت الجميل، في نسيان تامٍّ أنهم يدفعون الضرائبَ للدولةِ لـيُـعـفُـوا من الـدفـع مرة ثانية، ولو تحت غطاء التصدق؛ الذي أبوابُـه ومجالاتُــه وأفضيتُه معروفةٌ لدى كل مسلم.
وإن كان المسجدُ يتوفر على فقيه "شَــارْطْ" للقبيلة أو الجماعة، فأولى به هو أن يخصص أجرتَـه الشهريةَ لمن يعوضه، لأنه لا يجوز أن تسير أمور الناس بهكذا حـال، وإلا على الدولة أن تُـعَـمِّـمَ ما تعتمده في المساجد الكبرى، المتوفرة على فقيه وإمام، خطيبٌ عالم متمكن من العلوم الشرعية، وإمام يجيد التجويد وقراءة القرآن.
لا أغفل أن بعض الفقهاء يعتمدون على ما يسمى "الشْــرْطْ"،  هؤلاء يُـعوّضون بما يسطره عُـرفُ الجماعةِ، وبما تجود به الـعـوائل في المناسباتِ وهذا أيضا يجب الـقـطـعُ معه في ظل الحديثِ عن مشروع "إصلاح الحقل الديني".
    ما قيمة المؤسسات إذا كان المُصلي يدفـع وبالمباشر لمن يصلي به، ولو في صيغة من يريد أن يتصدق، ولو توقف الدفــع في الأعياد وصلاةِ التراويـح. نعم للصدقة، لا بأس أيضا -كما يفهم ويبغي الكثيرون - لأن الأمر ليس غصباً كالضرائب، ولكن يحز في نفس المواطن المغربي ذلك، ويجعل المتتبع يأسف للزمـان الذي قطعته الدولة الحديثة في رسم مسافات طويلة في تشكيل مفهوم دولة المؤسسات.

ذ. محمد بوشيخة
كاتب وصحفي من المغرب

حكومةُ بـنـكيران ومسرحةُ الفعل السياسي

    يحدثُ أن يُـنـافسَ المرء ويـتـعاركَ لأجل الوصول إلى ما يرسُمُه لمستقبل بعيد، ويحصلُ أن يكون هنالك تنظيمٌ، سياسي أو نقابي أو حتى جمعوي، يخطط في قانونه الداخلي أو ما بين سطور ذلك القانون لِمَا يهدف إليه من وراء كل شعاراته وإسهاماته بكل أنواعها.
    معلوم أيضا في عُـرْفِ عالَم المخدرات، في أعلى مستوياتها، أنها بالقدر الذي يبطش فيها فاعلوهـا بـمَـن اعترض سبيلَ نجاح أي مهمة، بالقدر نفسِهِ، أو أقل بقليل، يُـسْهـمون في بناء المساجد، وتقديم العَـوْن في عديدٍ من الجمعيات الإنسانية، لذلك فـقـراءةُ القرآن عندهم في المسجد أشبهُ بتصويب النار في صدور الأعداء كلما اقتدى الظرف، ذلك أيضاً شبيه ببعض المسؤولين الكبار، يمدون لك العون بيد، ليصفعونك بأخرى وبـــأكــثر ضراوة.
    لا نتهم في هذه النافذة، من خلال التقديم السابق حكومةَ بنكيران بسلوك الطريـق نفسِها، كما لا نرفــع عنها وصفةَ ما يمكن نـعـتُـه بــ: "مسرحة الفعل السياسي".
    كـلُّ محترفٍ سياسي يعترف بأن صفّ المعارضة أهـونُ من صفِّ الحكومةِ، ذلك لاعتبار أن التعليقَ على الفعل أيسرُ من القيام به. ومن حسناتِ الفعل السياسي في أيِّ بلد أن الوصولَ إلى مرحلةِ الفعل يـمـر عبر الـمـعارضة وإشـهـار السيوف والتبجح بالقدرة على الفعل.
    الفعلُ المسرحي في أبجديات أب الفنون يكتسي توجهين رئيسَيْن: الكشف عن الفكرة، التي على أساسها تقوم المسرحية، باعتبارها وجها لفعل إنساني، قَـبُـحَ أو جَمُل، ومن جهة ثانية، بقدر تقديمها أفـكـاراً ورؤى فهي تسكتُ عن الأهم أكـثر من أنها تفصح عن الواقـع.
    لا غرابة في أن ما يحدث من تجاذب سياسي اليوم بين الحكومة والمعارضة؛ هو مرآة المرحلة السياسية في بلد وُصفت ثورته بالسلمية، وتحولاته بالعميقة؛ بناء على دستور يــوليوز 2011م، وانتخابات 25 نونبر، التي أسفرت عن فـوز حزبٍ؛ ربما يشكل الورقة الأخيرة في بناء الدولة الحديثة. وفشلُـهُ في إقناع الشريحة العريضة من الشعب بأن كثيراً من الأمور تغيرتْ، كفيلٌ بأن يدفـع بالمواطـن لأن يقطع مع يافطةِ الأمل ويرمي بها في فـوهة بئـر لا نهاية لعمقها.
    لسان حال المواطن المغربي اليوم، وهو يتلقف الأخبار من هنا وهناك، ويتابـع جَـلْسَات المجلِسيْن، يقولُ: ما الذي تغير غير الوجوهِ والأسماءِ، وتَـبدَالِ الأدوار؛ من الحُكم إلى المعارضة، ومن المعارضة إلى الحكم ؟؟. أما السياسة العامة فيبدو أنها تسير بنفس المنوال، وبنفس درجة الوتيرة، عدا تحسيناتٍ لا تمس عمق القضايا التي من أجلها تمنى المغربي الضعيف الانفراج عنها من سباتها العميق.
    فالإخبار عن «المأذونيات» وجـعـلِها شماعةَ امتيازٍ تحققَ للحكومة، دون تحييدها من أصحابها، وبعيداً عن أسلوب العاطفة ويافطة الاستحقاق فأمر يثير الاشمئزاز.
    فالمغاربة من طينة واحدة، ومعظمهم فقراء ويحتاجون إلى «كريمات» جميعهم؛ إن سلكنا طريق من يستحق وفي وضعية اجتماعية ضعيفة. وهنا تحضرني حكاية أحد الزملاء؛ الذي قال لي ذات نقاش: "إن أبناء الجنوب كل الجنوب الشرقي، يحتاجون إلى تعويضاتٍ شهريـةٍ فقط لأنهم يحرسون التراب هناك، دونما مشاريـع للشغل، لا ولا مصالح ولا مستشفيات؛ تشبه على الأقل ما في المدن على علاتها، وأنا أعلم أن الجنوب ليس وحده مهمشاً، إنما كل ما اصطُلح عليه ذات تاريــخ مشؤوم بـــ «المغرب غير النافـع»، ولكن من حيث المصلحةُ الوطنيةُ العليا يبقى مغربــاً، وعزيـزاً على كل المغاربة، لذلك وجب أن يكون نافـعاً من وجهتَين لا من وجهة واحدة؛ ترتبط بأن فيه ساكنة، أما أمر شؤونها فلأجَــلٍ غير مسمى.  
    ماذا تعني عبارات: "هـنـاك جيـوب مقاومة" أو "عفاريت تتربص بالإصلاح تربصاً" أو "تماسيح لا نـقـو على مجابهتها"؛ هذا يعني شيئاً واحداً، أن كلام الأمس غيرُ كلام اليوم، وأن محاربةَ الفسادِ التي تشدّق بها عديدٌ من قادة الحزب الحاكم، أصبحت اليوم في خبر كان، و «عفا الله عما سلف»،؛ لأن المواطن -يقول رئيس الحكومة- يهمه استقرار المغرب؛ دون أن يدري السيد بنكيران، أن هذا المواطن المسكين "ما عْـنْـدُو ما يْـخْسْر"؛ لأنه أصلاً لا يملك شيئاً غير حب تراب هذا الوطن، والاستقرار المزعوم هـو أولى لأصحاب المال والشركات الضخمة والموظفين الأشباح والمفسدين؛ لأن في استقراره استقرارٌ للفساد، وفي ثبات مائه إعلان أنه ليس صافياً بالقدر الذي يبعث على الارتياح، أليس الحزبُ نفسُهُ من حملَ شعاراً في المعارضة "خْـوْضْـها تْـصْـفَـى"، ولما شُـبِّــهَ لأعضائه أنها صَفَتْ شربـوا من علقمها، فخوضوها هم الآخرون، وبـاتـوا يحدثونـنا عن الاستقرار، وأن «المواطن يفهمنا وأن زيادة طفيفة في المحروقات لا تعني للمسكين شيئاً»، آه عليك يا بـنكيران ما الذي أنت فاعـل وماذا أنت قـائـل !!؟؟.
    المواطن المغربي البسيط يريد استقراراً حقيقياً لا مشبوهاً. استقرار تتكافأ فيه الفرصُ، وتُـوزع فيه ثرواتُ البلدِ بشكل عادلٍ، لا الذي يجعل الأقوياءَ يستقوون، والضعفاءَ يزدادون ضَعفاً. استقرار يعتبرُ المغاربةَ من طينةٍ واحدةٍ، وكل ترابه من معدنٍ واحدٍ. استقرار مبني على الرضى وعلى الإيمان بأن المغرب فعلاً شهد تحولاً، لا الذي يعني خدمةَ المفسدين المستفيدين من اقتصاد الريــع بيافطات مختلفة، استقرار غير مبني على الخواء، ولا على «عفا الله عما سلف»؛ إنما المحاكمةُ والمحاسبةُ اللتان تجعلا النفوس تشعر فعلاً بأن هناك استقراراً، وأن هناك دستوراً جديداً.
    نعلم أنه بــالإقدام نفسِه الذي تعبأت به و له قياداتُ حزب المصباح قبل الانتخابات، بدأت به عملها بعد فـوزهـا، لكن سرعان ما خَفَتَ ضوءُ مصباحِها، ليعدوَ هو الآخـر شأن شعارات الأحزاب الأخرى التي حكم عليها التاريخ بالفناء الرمزي. وإن بدا أنها ما تزال تتحرك؛ فلأن الانتماء الحزبي عندنا في المغرب يجب أن يُعرض على سرير طبيب نفساني ويـواجَـه بأسئلة عميقة، ترتبط في مجملها بمعنى الانتماء ذاته، فكثيرة هي أحزابنا، حتى الجديدة منها، التي تنشد الحداثة، سلكت طريق الجمع واللم، دون الالتفات إلى الفكر والمبدأ، ومنه فكل مؤتَـمر حزبي تحج إليه أعداد هائلة، على غرار الأعداد الهائلة من شخصيات وقيادات خارج الوطن، التي تُستقطبُ بدعوات وتعويضات مالية، لا لشيء إلا لـيُـحفظ ماء وجه مسؤولي هذا الحزب أو ذاك، وليظهر في الإعلام أن قاعدته لا يُستهان بها، ويجب أن تـؤخذ بعيون الاعتبارات في أي استحقاق ديمقراطي، ولو أن تحقيق الديمقراطية لا يلتقي مع انتشار الأمية أبــداً، ولا أدري كيف تجد جاهلاً، ليس له في أمر السياسة نصيب، ولا في أمر العباد معرفة، ولا بشؤون الوطن دراية، منتمياً إلى حزب، ويحصل على التزكية ليترشح في هذه الجهة أو تلك، وبعد أن كان عدّاءً أو فلاحاً أو مغنياً أو نجاراً، أصبح سياسياً، دبلوماسياً، ومزج لنا بين ما كان يُتقن (حرفته) وما لا يُتقن (السياسة)، لنحصل على خلطة تليق لكل شيء إلا لشؤون المواطن الضعيف، وتهتم بكل شئ إلا بقضايا الوطن، الصغيرة والكبيرة، على حد سواء لأن فاقد الشيء لا تنتظر منه شيئاً.
    بُـعَـيْـدَ الانتخابات كنتُ من الذين أمـلـوا خيراً من هذه الحكومة، بقيادة حزب المصباح، طبعاً بنوع من التوجّس، لأني كنت واثقا أنها الورقةُ الأخيرةُ التي ظن منها الشعب فِـكَـاكـاً له مـع الفساد؛ لذلك ذيلتُ مقالاً سابقاً لي بـعـنـوان: "البديل الإسلامي في المجتمعات العربية الثائرة برداء سياسي جديد ..!!"، نُـشِرَ فـي موقـع هسبريس، بتاريخ: 29 دجنبر 2012م "أن الإرادة الواضحة لرئيس الوزراء من خلال تصريحـاته بشأن الاهتمام بالقطاعات التي تلامس شؤون المواطن عن قرب، تشجع على الارتيـاح المبدئي لِـما ستؤول إليه التنمية في البلد؛ إن لم يكن من وراء الخطاب كثير من الاستفهامات".
    فعبارة الاستثناء "إن لم يكن من وراء الخطاب كثير من الاستفهامات"، هي التي رشحتْ الآن، وأظهرتْ مشروعيةَ تـوجُّـسي وتـخـوفي، شأن عديد من المغاربة، لأن درب الفعل السياسي في المغرب له من الخفايا و الخبايا ما هو أشبه بشبح "عِيشة قْنديشة"، هذه التي تحولت في عهد بنكيران إلى تمساح وعفريت، وأن المفسدين -يقول بنكيران- "لا أعرفهم أنا بنفسي" وحتى إن عرفـتُـهم -يضيف- "فلا يجب أن نوقف العجلة في المحاسبة والمحاكمة وما ينتمي إليهما،؛ ولأن المغرب هدفه هو المضي إلى الأمام فــــ "عفا الله عما سلف" و "بـركا".
    نعم مَـنْ مِنَ المفسدين الآن لا يشجع سياسة بنكيران، لأنهم "فْـلْـتُـو باللّي سْرقُـو" دون محاسبةٍ ولا محاكمةٍ، ومَنْ مِنَ الضعفاء والمقهورين يرضى بهكذا سياسة، والحال أن ما مَـرّ من العمر في البؤس انتظر من هذا الوزير خيراً في أن يجتث الفساد من جذوره، الأمر الذي لن يتأتى إلا بمحاسبة أهله، ورد الأموال إلى خزينة الشعب، ومـن ثَـــمّ يــجــد السيدُ الوزير مــا يُـكمل به حاجيات "صندوق المقاصة"؛ الذي بعدم محاربة المفسدين، سنجدهم أيضاً من سيستفيد منه بقلبِ الأوراق وتهريبِ الأموال المسروقة وخلقِ أسر فقيرة في الظاهر، غنية في العمق، لتظل دار لقمان على فقرها ودار فرعون على غناها.
    من زاوية المعارضة، لم يعد المتابـع للشأن الوطني يعرف دورها الحقيقي، هل هو المماحكة والمبارزة، أو المتابعة النقدية الوازنة والمساهمة في الدفع بالشأن العام إلى الأمام، وامتلاك الجرأة الحقيقية في نشر أي غسيل قديم، ومطالبة الحكومة النظر فيه.
    أنى للمعارضة بـالاختيار الثاني !؟، والمغاربة "غْـسْـلُـو عليها ايديهم"؛ لأن وجوهها وأسماءها لم تعد خافية على أحد، وممارساتها وهي تدبر الشان العام فيما مضى كشفت عن خواء تكوينها، وفساد نواياها، وخبت طموحاتها، من أيّ بابٍ طرقتَ اسمَها ستجدُهُ ملوثـاً بفعل فَسَادِ فَـاسِــدٍ ما. كما لا أحد يجهل كيف تكونت بعض الأحزاب، وكيف جمعت بين كـل ألـوان الغناء وأطياف الفنون وأنواع الرياضات ومختلف البدلات.
    فعلاً، نحن أمام «مسرحة للفعل السياسي»، مخرجُها رئيسُ الحكومة، وممثلوها كل المسؤولين عن تدبير المرحلة، من حكومة ومعارضة.
    هذه «المَسْرَحَةُ» أو المسرحيةُ لا تختلف كثيراً عما سبقها من مشاهد كوميدية ومأساوية، ألا يكون التاريــخ مع هذه الحكومة يعيد نفسَه، وبـأكثر قسوة ؟. على الأقل في الماضي كان الدستور، في بعض أبـوابه، يخلق فجواتٍ تسمح بتبريراتٍ واهيـةٍ عن الانفلاتـات. أما الـيـوم، أين نحن أمام أبجديات الدستور الجديد، وهل فيه ما يبرر تجاوز الفساد الذي كــان، والعفو عن المفسدين، وفتح صفحات جديدة، ومرجع رئيس الحكومة "لأن ذلك يخدم مصلحة واستقرار الوطن !؟".
محمد بوشيخة
كاتب وصحفي من المغرب

الاثنين، 2 يوليو 2012

الكاتب القاص ادريـس خـالي في ضيافة: "نادي الإبداع و الإعلام، خلية «كاتِب و كِـتَاب»" بالثانوية الإعدادية - الموز - أورير

من اليمين:  محمد جنان +  محمد بوشيخة +ادريس خالي+ ذ عكرود + سعيد مهمة

شهدت الثانوية الإعدادية – الموز – أورير، مساء السبت 19 ماي 2012م، عـرسا ثقافيا، سيِّـدُه القاص الزميل ادريس خالي، وعروسه "فوق دارنا بومة"، في بيت "نادي الإبداع و الإعلام"؛ الذي اعتاد الاحتفاءَ بفرسان الكلمة في جو يغمره الإحساس العميق بحب الثقافة، وتعتمره الوجوه الجميلة، وجوه تلاميذ وتلميذات المؤسسة، الذين استقبلوا بحرارة ودفء السيد الضيف، ومعه رفيقه الزجال سعيد مهمة.
بداية اللقاء، رحب رئيس النادي ومنشط اللقاء الأستاذ محمد بوشيخة بالقاص ادريس خالي، شاكرا له قدومه، وتحمله عبء التنقل للقاء بتلاميذ المؤسسة، كما رحب بالحضور الكريم، وهنأ السيد المدير باحتضان المؤسسة هكذا أنشطة ثقافية قَـلّ نظيرها في زمان شاء له الوثنيون أن يكـون الإسفافُ والخواءُ والرقــصُ على سمفونيات لا تقدم للمجتمع بديلا شعاراتٍ يرفعها العديد، من مشتغلين بمجال التربية، حتى موظفي العديد من قطاعات البلد.
هي الكلمةُ وحدها جمعت تلاميذ وتلميذات حضروا المؤسسة، رغم عدم ارتباطهم بالدرس مساء السبت .. هو حب الفعل الثقافي الحقيقي دفـع بالعديد من الأطر والأساتذة يُـسهمون في السعي إلى تغيير الماء العَـكِـر؛ الذي بات يهدد حقل التربية والتعليم.
سيِّـدُ اللقاء القاص ادريس خالي، وعروسه "فوق دارنا بومة" حلقا بعيدا، وعبرا للحضور الكريم عن فرحهما وهما وسْـط هذا الصوت الطفولي، بعيونه المتعطشة، وبقلوبه الكبيرة. تحدثا عن لحظات البداية، وكيف قَـدِما لهذا العالم؛ عالم الكتابة، وفسرا كيف تكون القراءة أولا، ثم التجربة ثانيا، مصدر كل إلهام إبداعي متميز.
حكى لنا الضيف أن التدوين، مجرد التدوين، هو خـطواته الأولى في تعكير وجوه عرائسه، أوراقه البيضاء، وأن علاقـتَـه ذات زمانٍ بعيدٍ بالقائد هو وبعض مرافقيه، تشكل الصفعة / الدهشة الأولى المفاجِـئة للدفع به إلى واقـع زُمرة تمتلك عينا ثالثة، تنظر بها غير ما تراه عينا الإنسان العادي.
بعده قرأ منشط اللقاء نصا جميلا، متابعة نقدية للمجموعة، وسمها بـ:"فوق درانا بومة بعين الدكتور الناقد محمد بازي"، معتبرا إياها مقاربة تأويلية دقيقة ستضفي على اللقاء مسحة فنية مغايرة.
تلاميذ المؤسسة رفقة القاص ادريس خالي ورئيس النادي محمد بوشيخة
ولأن تلاميذ المؤسسة متعطشون لهكذا لقاءات، فقد ارتـووا بحق لـما فُـسِحَ لهم المجال، سألوا عن كل شيء وكأني بهم ما تركـوا جانبا إلا وطرقوا أبوابه. رد الـقاص ببساطة معهودة فيه على أسئلتهم، ومرة تلو أخرى يوجههم إلى أهم ما يميز الفعل الثقافي الحقيقي، وهو القراءة ثم القراءة.
يمتد الزمان ويتسع، دون إحساسٍ بسرعته، فخفة اللقاء وجماليته لم تدفعا بأحد لينبه المنشط بهرولته، وحيث العرفانُ بمثله يُـقابَـل، تفضل السيد المدير مشكورا بكلمة في حق الضيف، كلمةٌ تحمل من معاني الشكر والاعتزاز بالأنشطة التي تستهدف أبناء المؤسسة الشيء الكثير، كما عبر عن سعادته، وهو يواكب أنشطة سابقة ونادرة في عديد من مؤسسات التربية والتعليم، هذا وهنأ القاص بتجربته وشد على يديه بحرارة، لأنه لبى دعوة المؤسسة.
عَـقِـبَـهُ تقدم ممثلُ جمعية آباء وأولياء التلاميذ، القيم على الخزانة، خالد السكوتي، بكلمته التي عبر فيها هو الآخـر عن ارتياح الجمعية بما تُـحـصِّـلُـه المؤسسة من نتائج تتعلق بالأنشطة الموازية، معبرا عن دعمه لكل الأعمال التي تُسهم في تنمية الجانب الإبداعي في التلاميذ، شاكرا الضيف الكريم على قَـبوله دعوة المؤسسة.
هذا وتـلـتْ الكلمتين مساهماتُ كل من التلميذيْن: منى نمات و ياسر الجوهري (عضوان في النادي «خلية الكتابة») في كلمتيْن لهما باسم "نادي الإبداع والإعلام"، بينهما تفضل الأستاذ الجلولي (أستاذ مادة اللغة العربية بالمؤسسة) بكلمة مقتضبة عبر فيها عن سعادة الجميع وفرحه بمثل هذه الأنشطة الهادفة.
لم يفوّت المنشطُ فرصةَ اللقاء ليزف للحاضرين فوز زميلنا الأستاذ عكرود (أستاذ مادة الرياضيات بالمؤسسة) بالسباق الرياضي المنظم في أكاديــر ذات صباح اليوم نفسه. كـما مدّه بالكلمة ليشكر بدوره كل الحاضرين، ويقرأ قصيدة زجلية جميلة من إبداعه. وَقَـبْـلـَهُ أُعطيتْ الفرصةُ لرفيق الضيف السيد سعيد مهمة ليقدم شهادة في حق ادريس خالي.
كان اللقاء بِـحـقٍّ عُـرسا ثقافيا، تـغـذتْ فيه العقول قبل البطون، وشهد أخيرا تبادل الهدايا بين رئيس المؤسسة والضيف، كما قرأ في نهايته القاصُّ قصةً قصيرةً جديدةً بعنوان "حفار آبـار"، ليختتم بحفلة شاي مصحوبة بتوقيع المجموعة لتلاميذ المؤسسة، والتقاط صور تذكارية بالمناسبة.
محمد بوشيخة
كاتب من المغرب