السبت، 21 مايو 2011

عـيـد الـعـمّـال حـكاية أزلية في ظــل حـكـومـات قبلـيـة - الحلقة السادسة عشرة من عمود "ضد التيار"


لستُ وحـدي مَــــنْ يــتألم لأجـلــك أيـهـا العامل البسيط؛ إنـمـا كـل مَــنْ أنتسبُ إليهـم؛ غـير الـراضين بـــأوضـاعـك ذات الصبغة شبه الأبدية؛ في ظـل سياسات لم تَــحــكُــم السيـطـرة على قـطـاعـاتهـا، وتـغـني على "كم حاجة قضيناها بـتركـها و التغـاضي عـنهـا".
إن الأحـزاب المتعاقبة على تسيير البلاد تطغى عليها سياسة الاستغلال؛ حيث يكفي تــتـبـعُ مسـار الـعـديد من المنتسبين لـهـذا الـحزب أو ذاك - شريطة تحقق الانتمـاء القبائلي / الـجَـغـرافي لقيادته - ومـا حـقـقـوه من امتـيازات؛ إن لـم تـكن من منطلق خلق وظـائف وهـمية؛ فبـخـرق مبدأ تكـافُـــؤ الـفرص، وتـقديم طلبات مَـنْ هــو "ولد البْـلْـيْـدة"، وبصيغة "ذوو القربى أولى ممن يلـيـهم".
أحـزاب مزجت بين الاستغلال والتسلط؛ حيثُ مـثــلُ هذه الأفـعـال؛ والتي وثّــقـتْـهـا كـثـيـرٌ مِـنَ الـجـرائـد؛ على مـدى تسيير مثل هذه الأحـزاب للـحـكومـةِ في شخـص قـيـاداتهـا، تجـعـلُ من الـجَـثْـمِ عـلـى قـلـوب الـكثـيريـن؛ مـمّـن اخــتـاروا الـلاّ تحـزّب حـزبـاً في الـحـاشية؛ أمـر جــرّ مـعـه مَـنْ هـم ضـمـنَ جَـــبْـهـاتٍ مـعـارضــةٍ أو مـخـالـفـةٍ للقـيـادة.
لـو تـوقــف الأمـر عـند هـذا الحـد لـهان على قـلوب محبــي الوطن؛ تشبثـا بـقـاعدة "الحق يعـلـو ولا يعلى عليه" ثم "البقاء للأصـلـح".
غـلاوةُ الـــوطـن وقـدسيةُ تـاريــخـه الـعـريــق يـجعـلان الـمواطـنَ حـقـا غـيـرَ قـابـــل لـجـره فـي مـهـاوي السـقـوط.
لم يخـرج العـديد من الشباب عـديد المـرات؛ انـطلاقـاً من عـشرين فـبـراير حـبا في الخـروج أو رغـبةً في الـفـوضى؛ إنـمـا تـحقيقـاً للعـدالة الاجـتمـاعية وقـول: "نحن أيـضا مـغـاربة" ثـم "نحن أيضا تعـلمنـا وقـادرون على تحـمّـل المسؤولية أو تولية ذاك المنصب"؛ إلـى جـانب حـقـنا في الاستـفـادة من خـيـرات البلد الكـثـيرة؛ والتي يــعـــود الـفـضل فيـهـا أولا للـعـامل  البسيط؛ مَـن أحـبّ الأرض واشتـغـل فيـها ثم شـغّـلـها ولـعـدم تـقـديره يكون آخـر من يستفـيد من مـردودهـا.
الحكومة المغربية، ومعـهـا بـرلمـانـهـا وَجَــبَ أن يضـعا المفـاتــيــح، وهـذا شعـار شباب ثــــورة فـبرايــر ومـن والاه؛ ببسـاطة لأنهم فشـلــوا في تدبـيـر الشأن الـعـام وخدمة المواطنين؛ وإن كــانــوا في الحقيقة يملكون من المَــقْـدُرات الـعـالية مـا خدموا به أنفسهـم وعـشـائرهم، وبـعد الاستـقالة يأتي دور المـحـاسبة، بناء على "مِــنْ أيــن لـك بهـذا وأنت مجردُ وزيـر أو برلماني"، في إطـار كشف عـدم شرعية زواج الظلام بين "السلطة والـمال".
عـن الـعـامل البسيط، بمناسبة عـيـده، وأي عـامـل هـذا الذي يمكن الحديث عـنه في المـغـرب: غير الـمـؤمّـن، أم غير الـمـغطى صحـيـاً، أم ذاك الذي يموت في حـادثة شغـل ويكون السبب عدم احتياطه، أم الذي لا تتجـاوز أجـرتـه خمسين درهـمـا وأقـل، تعويضـاً عن عـشر سـاعـات مضنية يومـيـاً، ولا يتقـاضى إلا عـن سـاعات اشتغـاله دون إدمـاج الآحـاد والأعـيـاد والـمـناسبات والـوضعـيات المختلفة ضمن الاستخـلاص .. ورغـم كـل هـذا إذا تـقاضى ما يسمى أجـرا في أوانه، دونما نقصان، فـهـو محـظـوظ؛ لأن أصحابَ البطــون الكبيرة المتكرشة قلمـا تلتزم، وكثيراً ما تختلق أعـذاراً؛ تـؤجـل بـهـا الأجـر أحــيانا أضعـاف المدة المحددة ..
حدثني أحـدهـم أنه في غضون سنة واحـدة توفي من العـمـال ضمن إحدى شركات الـبـنـاء مـا يعادل أحـدَ عـشرَ عـامـلاً؛ والقصة الـغريبة من هؤلاء الضحـايا في الذي اعـتُـبر سبباً في تمويت أحدهم؛ لأنه وهـو يلقي ببقايا البناء مـن طابق عـالٍ؛ تصـادف ذلك وآخَــــرُ أسـفله (= زميل له في العمل)، ضمن طابق آخـر يـطل؛ جـرّتـه "يـاجـورة" ضـربـاً على رأسـه؛ أنزلـتـه إلى أرضية الـعـمـارة، تُــخـبَـرُ الـجـهات الأمنية بحـادثة شغـل، وفي اللحظة ذاتهـا تُـفَـبـرَك كـل الأوراق؛ لأن معظم الشركـات، كما النقـابات تسلـك سياسة "احْــضِــي راسْــكْ اُوديـــر الاحتياط"، تتــرُك أعـداداً لا بأس بهـا من النسخ لحـاجة تترقب هـكـذا "حْـصْـلة"؛ ولأن قـضـاءنـا لا يكلف نفسه عـناء التدقيق في الأمـور، يعتبر كـل الأوراق دليلاً، ولـو نطق الـمداد وقـال: "للتـو كـتـبـوا بــي" .. صاحبنا العامل البسيط زُجّ به في السجن، ولمـا حققوا معه، أخبرهم بأنه مأمـور بما يقوم به من أعـمال داخل الشغل، تبرأ منه مشغلُه المشرف المباشر "الشّاف"، ليتبرأ منه صاحب الشركة "الباطرون"، في غياب واضح للعـدالة القضائية .. رحم الله الفقيد و لا سامح الله المسؤولين عن تسيب القطاع، وتحية إجـلال لـفـاضحـي مـا يخفيه النفـوذ والمـال، إنصافا لذوي الفقر والحاجة وتلعثم اللسان.
لا أحد يجهل أن كلمة "الـعـامــل" تشمـل كل عـامل مـأجـور (= أستاذ، بنكي، موظف في شركة، فـلاح، صيدلي، بـحري + ...)، و لا أحـد بقادر على تجـاوز ما لهـذه الفئـات جميــعِـها من مطـالب عـاجلة، عـبـرت عـنهـا بأساليب احتجاج متواصلة .. لكن العامل المتحدث عنه سلفـاً أكـثر ضـــررا، في واقـع جعل منه إنسانا من الدرجة ( ...؟؟؟)، فـي دولـة حـرمـتـه من كل ما يجـعـل منه مـواطـنا يشعـر بوطنيته، ويفتخـر بانتمـائـه.
لــكــل العمال، نتمنى عيدا كـــالأعـياد الحقيقية، يرتدون فيه ثـيـابــاً جديدة، فرحين، مسرورين، مهنئين بعضهم البعض بحلول عيد جــديد، والدعوة للاحتفـاء بأعيــاد بعده .. لا حشد الهمم كـل سـنــة وتـوزيــع المنشورات لأجـل مظـاهرة واسعة النطاق، مرددين شـعـارات أتعبت حـنـاجر مَنْ سبقوهم، مسودين أوراق بنفس مـطـالب أعـياد العمال السابقة.
قـيـاسـاً على مـا قالــه أحـدُهم ذات زمـــان، منذ تلك الحيــاة "هذه قيسارية ماشي وزارة"، نـقـول للحكومة ومعمريـها: "هذه وزارات ماشي قيساريات"، حتى يعـيـن فيها الموظفون كـما يــريد أربــابُـهـا؛ هــذا من مدينتي، وذاك ابن خالتي ... وهلم جـرجرة من أبناء الكبد و العمومة والمصاهرة.
محمد بوشيخة
mljabri1979@hotmail.com