الأربعاء، 20 أبريل 2011

فـصلُ المقالِ فيما بين المسؤوليةِ والمحاسبةِ مِنَ الاتصـالِ - موضوع الحلقة الخامسة عشرة، من عمود "ضد التيار"


بـعـض الـمفـاهيم بما تحمله فـي جعبتها من معـان وأبـعـاد، إن لم تلتصق بأخـرى، هي قـريـبة لـهـا في الـقـرابة والنسب، تعـدو بـلا قـيـمة و لا معـنى، فـي ظـل مجتمـع تمـزقت أركـانه، وتـاه فـيـه الـضـمـير بـحَـمـولته الإنسـانية، حتى لم يــعــد يـجـد مكـانـه.
مفهـوم الـقـضاء، في غياب قـاض مسؤول يحتـرم حِــرفـتَه، لا معنى لـه .. وزاراتــنـا ومـؤسسـاتنـا في ظل تهـور مسؤوليـها، ولا أهمية للضمير الجمعي الإنساني والمجتمعي عندهـم؛ تـصبـح بـلا معنى، وفـارغة من محـتـواهـا .. كـذلـك الأمـر في كـل الـمهـام، صغـيرهـا وكبيرهـا، هـي وفـي ارتـبـاط بمبدأ الـمـحاسبة أشبـه بعـملة نقـدية؛ التي تصـبح بدون جدوى أمـام أي تشويه أو تمزيق لـجسـد الظـهر أو الـوجه.
المغرب دخل عهـداً جديداً، عـهداً لم يكن اخـتياريـاً؛ بل فُـرِضَ علينا فرضـاً، من خلال مـا يشهـده الـعـالم العربي من تـغـيـيـر، وإعـادة تشكـيل خـرائطـه السياسية والهيكـل – اقتصادية .. عـهداً كـان مطمـح عـديد من الأقـلام و المناضلين الشرفاء، داخل أو خارج التنظيمات المؤسساتية.
ثـار الشباب هنـا وهنـاك، ورددوا أن كفى عـبـثـاً بمصير الشعــوب .. كمـا انتفض المغـاربة عديد الـمرات، عبر أزمنة مختلفة، لا يحق لأحـد أن يـنكـرهـا عليهم اليوم، اُولـئـك الذين آمـنـوا بقضية الـتـغـيـيـر مبدأ، وبـكـل أشـكـال النضـال الـمـتنوعـة أسـلـوبـاً .. إلا أنه فــي ظـل الــثـوْرَاتِ الـجـديدة ظهرت أشـكـالُ مخـتلـفة للتعبير، مطالبة بالتغيير، جعلت من الشارع مـلـجـأ، ومن الإصـرار الـمـتواصـل خـطـة، ومن التـكـثـل الـجـمـاهيري حـجـة .. أمـا الـفايسبوك فـمؤسسة من لا مؤسسة تستمع إليه، وملتقى بغير تكلفة، قـد تحـد من المـبادرة، وتضـرب فـي عـمـق " جـوّعْ كـلْـبْــكْ اتْــبْـعْــكْ " .. لأنهـم اعـتقـدوا وعـولـوا على مـا جـنــوه من أمـوال الشعب، معـتـبريـنَـهُ أداة لابـتزازه ووسـيـلة لا يقـو غـيـر مالكيـهـا على فـعـل أي شـيء، ولـهم يـردد قــائــل: "ليس بالمال وحده تُـحـقق الـثـورات"، والأكـيـد فــي ذلـك أن الـثـورات التي هـدفـها تحقيق العدالة الاجتماعية، فعـلاً لا قـولاً، عـبر الـتاريــخ، حـركـهـا الـشـبـابُ المسـتضعَـفُ اجتـمـاعيـاً، الـمسـتقـوي بفـكره وعلـمـه وثـقـافته.
لم تـعـد سـرعـةُ عـجـلةِ الـتـغـيير تقـبل من المُــسْهمين في التغيير، وكـذا متتبعيه بـعـيـونٍ صحفيةٍ غـيـر الكتابــة فـيـمـا يـمـكن أن يُـسـهـمَ فـي بـنـاء مغرب الـيـوم، مـغـرب الـمـحاسبة، باعتبارهـا ظـلا ظـليـلا لمفـهـوم الـمسؤوليـة.
يبدو مشروع الإصـلاح قد أخـذ طـريقـه، وأن أي التـفـاف عن الـمـطالب الشعبية أمــرٌ لـن يـكون مـقـبولاً .. وشـرط إشـراكـهـم فـي أي مـمـارسة دبـلومـاسية، حكـومية أو مؤسساتية غـير حكومية، ركـن من الضرورة مـراعـاته، أو الأخـذ فيه بمبدأ الــحـصة؛ لأن الشبابَ المغربي -للأسـف – هُـمِّـشَ ويُـفـعـلُ به كـمـا فُـعِـلَ ويُـفـعـلُ بالمـرأة، قبلا ولـحدود العقود الأخيـرة.
ثـم إن المراجعة الدستورية التي انطلق مشروعُـها وجَبَ أن تنـصّ على مـبـدأ الـمـحاسبة؛ لأن المـغـاربة مـافـتـئــوا أن نــددوا بـالمـفارقة الشاسعة؛ إن لـم نذهب حـدّ وجـود تناقض تـام بين الـسطر والـفـعـل، فـكـان أن زج عـديــدٌ من القـضاة، رغـم أنف بــنـــود القضاء المُـنبنية على العدل، إنصافاً للمظلوم، ومعاقبةً للمجرم .. زجــوا بضحية في غياهـب السجن، وأفـرجوا عـن الـمـجرم، في محاكمة غـير عـادلة؛ فقط لأن الضحية بسيـط وجـيـبـه مـثـقـوب، والمجرم من مالكي رؤوس الأموال، وبه ومن خلاله يمكن أن تُـسَـد أفــواه موظفين كـثـر، أمـا ابن الطبقة الـحـافية إن تركـناه وأنصفناه، ماذا يمكن أن يأتي منه !!! ..، ويكفي تـأمـل الـحـكاية المغربية المتداولة؛ التي جُـرِّمت فـيـهـا فـتـاة خـادمـة، تـعرضت لاغـتصـابِ ابـن مشـغِّـلـهـا، أخـذاً بـمـقـيـاس "هـي مَـن أثـارت مشـاعـره، وتسببت فـي دفـعـه إلـى اغـتـصـابـها؛ لأنـها في الوقت الذي كانت تنظف أرضية المنزل كشفت عن ساقيـهـا"، ومـن ثَــمّ يُـبـرأ الــفـاعـل، ويصبح هـو الضحية (= طُـوي الـمـلف)، يــا للعجب ..!!
لـمـاذا الـمـحـاسبة ..!؟؛ لأنه مـا خفـيَ عــن المـغـاربة ما اقـترفتْ يـدُ عـديـدٍ مـن الـمسـؤولين / المشـرفين - ومنهم من يتقلد مهام دبلوماسية – عن شـركـاتٍ من تـجـاوزاتٍ بلـيـغـةِ الأثــــر على شريحة عـريضـة من أبـناء الشعب، وبـعـد تـجريـمـهم، وكشـف فضـائحـهم، ينفلـتــون من المتابعة القضائية بــوَصْــفــات سحرية، محركهـا المـال والوسيط النافـذ ..
إذن مـا مـآل المـراجعة الدستورية إن لم تنص في سطورهـا عن المتابعة المبنية على المحاسبة الحقيقية؛ من خـلال مجلس تنفيذي؛ ذي طابــع جهــوي، في إطار الجهوية الموسعة، توكــل له المَـهـمّة، وينـظر في كـل الشكـايا المقدمة، من كل الجهات والأفـراد، هذا وضرورة انفتاحـه عـــن الجمعيات المدنية ووسائــل الإعلام؛ الذي وجب الآن أن يكون متـعـددا داخل التراب الوطني .. لا البقـاء على مؤسسات المحاسبة الشكلية، المـنـخـورة في كيانــهـا، هي في حاجة لمن يحاسبهـا أولا عن اختراقاتها وضَـعْـف بنيتـها ..
أخـيراً، وحيث إن تونسَ هـي قائدة الــثـــورة، ولأن الشباب حامـلــو مشعلها الآن، وفي كل الأوطان هنالـك أصوات، عبر أزمـان مختلفة، كم نادت بها وضاعت مـنا، موتـاً أو نفـياً .. لا أجـد ما أختم به غـير حماسة شوقي:
قُــلْ للـشباب بــورك غـرسُـكم  **  دنت القطوف وذللت تذليــلا
حيــوا مـن الشهـداء كل مغيّـب  **  وضعـوا على أحـجاره إكليـلا
ليكون حظ الحي من شكرانكم   **  جما وحظ الـميت منه جزيلا
................................................
محمد بوشيخة
بجريدة عيون الجنوب، العدد: 25، أبريل 2011م.