الأربعاء، 5 يناير 2011

تــقـنـياتُ الـسّـردِ ومغـامـراتُ الـتّجريبِ في الـفعـلِ القصصيِّ لـدى مليكة نجيب .. مجموعـة "السّـماوي" نـمـوذجـاً.


أولا: تـمهـيد؛ دروبُـهُ أسـئلةٌ منهـجيةٌ.
نتسـاءلُ بـدايـةً عـن نوع القصة التي تكتبـها مليكة نجيب، أهي الـحديثة أم الـجديدة ..؟، علـمـاً أن الـفرقَ بين الـتُّربتيْـن/ الفارقَ بين النّـوعين ليس كفيـلاً بـأن يجـعـلَ الـقارئ – حسْبَ رأيـنا – بقـادرٍ على تصنيفِ قصص الـمبدعة، علمـاً أيضـاً أن القصـةَ الجديدةَ لاتعني ذاك الارتباطَ الـوثيقَ بـما هو متـأخر زمـناً، "فـما كـلّ متـأخِّــرٍ يحوز صفـتَـهـا ومـاكــلّ متقـدم يضيعـها" (1).
التـفريقُ بين الـنّوعين ليس ترفـاً نـقديـاً؛ إنـما لـما تشـهده الـسّاحةُ النقديةُ أخيراً، في شكل مقالات متفرقة، من استـعمالهـما في وجوه متقـلِّـبة، وكثيراً متشابهة، وإذا كان الـنّوعـان مـعاً يظهـرُ اخـتلافُـهمـا مع "القصة العروضية"، فالأمر بينهمـا لايعدو كذلك؛ إذ سمـاتُهـما الفنيةُ تتـآخى إلاّ فيـما نـذر. فـقـصّــةُ الثمانينيات جعلتْ من مفهوم الـتـجريـب جـواداً تمتطيه؛ ومن ثَـمّ شـكّـلَ هــذا العِـقدُ الزمنيُّ "فضـاءً لانتشـاره بشكـل كبير"(2)، في حين نـوّع قـصّاصو التسعينيات (= القصة الجديدة) من آلاتِـهم وآلياتِ سفرهم الأسلوبية، حتى إنّـهم شـرّحوا النصّ وجـرّبوا في التجريبِ ذاتِـــه، وقد يأتي الحديث لربّما معهم عـن "مابعد التجريب"، ونحن في دولاب مـابعد الـحداثة.
فـالقولُ إنّ القصةَ القصيرةَ في العقدين الأخيرين (= التسعينيات حتى الآن) حـملت رؤيـةً جـديدةً (3) دعـوةٌ صـريحـةٌ أن هـناك تـجاوزاً لقـصّـة الـثـمانينيات، أمـا مـاقبلُ فلا مجال للـجدالِ فـيه؛ وإن كـان من النقاد – عبد الرحيم المودن – من يعـود بتسمية القصة الجديدة، مفهومـاً وبناءً وصياغةً إلى السبعينيات، ويبقى الـجديد في ثيابِ هـذا النوع مـن القَـصِّ فـي مـدى تـحطيـمِـهِ للـنموذج الـتيمـوري على مستوى البناء (4).
ارتبـط مفهومُ القصّـةِ الجديدةِ أيضـاً بـمـحدِّدِ التـحـوُّل؛ فـكـثُـرَ الحـديثُ عـن سـماتِ هـذا الأخـير، فهو الـمرتبـطُ بــ"القصة التي تتأبط المغامرةَ وتـرضـاهـا ديـناً بالمعنى الطقوسي .. وتركبُ موجـةَ التـجريبِ فـتـتّشحُ بسـمات أجناس تعبيرية مجاورة"(5)، وهـو الطوفـانُ الذي شـمِـلَ "الموضوعـاتِ، الصيـغَ، أدواتِ إنجـازِ الفعلِ القصصي"(6)، كما أنه الذي تسـاوقَ و "تـطــــوُّرَ الكتابةِ القصصيةِ النسائيةِ؛ حيث أصبحت ماتكتبه الكاتباتُ أكثر جـرأةً وأكـثرَ محافـظةً على الأدواتِ الفنيةِ"(7).
فـي الضفّـةِ الأخـرى هـنالك مَـنْ يـعتـبرُ الـتـحوُّلَ ذا جانِـبَـيْـنِ، يمكن أن يـطفُـوَ على السّطـحِ السلبيُّ منه على الإيـجابي، وبـه لايـعدو التحوُّلُ مرادفـاً للتـقـدُّمِ، كـما أنـه "ليس كـلّ مَـنْ يـكتب القصة حـاليـاً يكتب القصة التجريبية، ذلك أنه في نفس الفترة التاريخية قد تتعايش مـخـتلِـفُ أنـماطِ الكتابةِ القصصية"(8). ويذهبُ الناقدُ عبد العاطي الزياني في درسِـهِ وتـدارُسِـه لهـذا التحـوّلِ إلى حـدِّ التحـذير من مغـبّةِ التجريبِ دونـما أشرعـةٍ محكـمةٍ؛ "لأنّ قـدْراً وافـراً من المحاولاتِ القصصية ظلتْ تـمارسُ ركـضـاً مجّـانياً أحياناً وراء التقنياتِ والأدواتِ التجميليةِ دونما وفاءٍ حقيقيٍّ بشـروطِ الكتابةِ ومسـؤوليـاتهـا الفنية"(9)، مما قد يجعل من "حقـلِ القصة القصيرة أرضـاً لامـالك لـهـا"(10).
هـذه الأضـواءُ الحـمراءُ، كمـا هذا التوصيف المباشر لـحالة القصة القصيرة الجديدة وأحوال مريديـها، ألا يعـدو مدعاةً لـسـكِّ تقنيـنٍ ورغـبةً في حبـسِ أنـفاسَ تـتشـرّبُ مـن شعـار العوفي "لكـلِّ كاتبٍ الحق فـي أن يـخلقَ مايستطيع من الأشـكالِ التي لاتـوجـدُ في الأدبِ"(11).

ثــانيـاً: مغـامراتُ التّجريبِ من خلال تقنياتٍ سرديةٍ عـدّةٍ.
أولاً، وتحقيقـاً للرّبـطِ بين ماسبقَ، لأجـلِ تَــبَــيُّــنِـهِ في مكتوبِ مليكة نجيب، وبين علاقة ذلك كـلّـه بالكتابة النسائية، نـودُّ الإشـارةَ إلى أمـرٍ استـوقفنـا إثـرَ حديثِ العوفي في كتابه "مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية" عن العروضِ القصصي وتقسـيمِــهِ للنصوص التي تـمثّـلُهُ من حيثُ بُـناها السرديةُ إلى: نصوص ذات بنية مثلثة / مستديرة / حلزونية / خطيّة، فكان النّـوعُ الأخيرُ، الخطّي أو اللاّبنائي بمـثابةِ "بنيةٍ جنينيّةٍ وسديميّةٍ لم تـتخـلّق ولم تختـمر بـعدُ، هي مـشروعُ بنية"(12)، وكان أيضـاً أن مـثّـلَ الناقـدُ لهـذا النّـوعِ بنصوصٍ نسـائيـةٍ؛ "بداية الطريق" و "الشيخ والأرض" لخناتة بنونة ثم "أمطار" لرفيقة الطبيعة، وكأنّ لسان حاله يحدثنـا إضمـاراً عـن سبقِ المرأةِ الكاتبةِ لهـذه المغامرةِ من التجريبِ. نـعــم، النصوصُ نوعٌ ضمن العروض القصصي، لكنها تنحـو في اتجـاه تأسيس مشروعٍ لم تتّـضح معـالـمُـهُ بـعـدُ، فهـي "صنـيـعٌ يشـكِّـلُ استـفزازاً لـما هـو مألوفٌ ومعـروفٌ من قـواعـدَ وقـوانينَ سـرديةٍ وبنائيةٍ، ودعـوة غير واعية أو غير مباشرة لإعـادةِ صيـاغةِ وتـجديدِ الأسـئلةِ القصصية"(13).
ثـانيا: التقنياتُ السرديــــةُ.
أ‌-     تقنيةُ الـحـوارِ:
قـد يطغى الـحوارُ مع النصوص القصصية العروضية وقد يكتسي صبـغـةَ الـحـضورِ الـمحـتشِـم، وفي الـحالتـيْـن مـعاً يُـشَـرعـنُ الـحديثُ عـن حوارٍ مـؤسِّـسٍ للـسّـردِ أو مـتمِّـمٍ لـه؛ بتعبير نجيب العوفي.
ولأنّ القـصّـةَ الجديدةَ مـجرِّبـةٌ في كـلِّ تجـليـاتِـها السرديّـة، كذلك الأمـرُ مـسّ تقنيةَ الحوار، فبات هذا الأخير مـتداخـلاً ومُـتماوِجـاً مـع الـسّـرد، وجاز الـقولُ إننـا مع: حوار سردي أو سرد حواري.
الـحوارُ عـند مليكة نجيب هو أشـبهُ بـالحوار المتأثـر بنظرية التحليل النفسي، أليست تركيبـتُهُ داخـل نـص "الثدي الملفوف" دليـلاً عـن ذلك ..؟، ثم ألا يجوز نـعـتُـهُ بــ: "الحوار المخـلوط بالارتجاع الفني" = تقنية الاسترجاع؛ "التي تلجأ إليها الشخصيةُ القصصيةُ حين تسترجـع، عبر التذكـر، أحـداثـاً فـتدخـلُ في نظـام جديد من الزمـن"(14). ورد في المجموعة: "أتـذكّـرُ الآن ثـورةَ زوجـي وأوامـرَه الـحانقـةَ بمحـو آثـار الـحنّـاء، أكّـد أنه يمقتُ لونهـا، رائحـتَـها، بصـماتٍ قد تتركـها على جسده أو على الفـراش ..."(15)، وفي مقطعٍ آخــر: "فرحتُ عـندمـا بدأ صدري يتحرّكُ وينمو وبدأتُ ألبِـسُ حـمّـالةَ نهـديْـنِ من مـسـد، انتشيتُ وأنا أرعى براعـم أنثى تتفـتّـح وتتوقُ لـمستـقبـلٍِ فيّـاضٍ بـالعـطاء والـحبِّ"(16)، والأمثلة عـن هـذا كـثيرةٌ.
يُـعـايِـنُ الـقارئُ ضمن نصِّ "الثـدي الملفوف" تمـازجـاً؛ إن لم نقـل انصهـاراً واضحـاً بين السرد والحوار؛ إذْ غـالبـاً مـايـفسَـحُ الـمحاوِرُ – الساردُ للـمحـاوَر الساردِ  فسـحةَ الـسّردِ، حتى يـظـنّ الـقارئُ أنّـه مع سـردٍ خـالِصٍ؛ لـيُـفـاجِـئـه تقـطيـعٌ يُـكـسِّـر اعـتقـادَهُ.
الـمـحاوَرُ – السّـاردُ في هـذا النص مـثلاً يمتطي جوادَ الحكي ضمنَ خمسِ فِـقْـراتٍ متتابعـةٍ، على طول مقاسِـها الـسّطري، "أتـذكـر أن زوجي عـاف الحـنّاءَ، وعاف مضجعي (........ إلى ......) حملتُ رضيعي بين رموشي وحلقتُ بـه فوق أشجـار مضيئة الأغصان تناسيتُ معها السرداب الحالك (= صفْـحات: 62 – 63 – 64، من قصة الثدي الملفوف)، ليُـصْفَـعَ بـعدهـا القـارئ، تقطيـعاً لخـطيّـة السّـردِ الـحوارِ بـــ "كيف تنغّصت حـياتُــكِ بعـد هـذه السـعادة؟ هل لبعض الأطراف يـد في بلبلة سكينتك؟"(17).
يَـظهـرُ إذن أن الـسّـردَ يـقوم بـــ "دور تبـادل الـمنفـعةِ مـع الحوار فـي تفـاعُـلٍ وانسـجامٍ لكـسْـرِ الـتّـعاقبِ الـمتسلسِلِ المُـثيـرِ للإيقـاعِ الرتيب الناشئ عن تناوبِ شخـصيتيْن على الـحدث"(18)، عـدا في مقطـعٍ واحـدٍ داخـل نصٍّ بـأكـملِهِ؛ ذاك المـعتـمِـد على الـعلامة المِتيبوغرافية المتتالية(19).
استـخدامُ الضّمـيرِ في صِــيَـغِهِ الثلاثـةِ، المتكلم/ الغائب/ المخاطب، داخلَ شبكـةِ النصِّ الـواحـدِ، في نـــوعٍ مـن التّـراتُبيةِ الـمحـسُوبةِ أحـياناً، يُـكسِبُ النصَّ طـابَــعَ الاختلافِ عن النصوص التي يهيمنُ فيها ضمـيرٌ عـن آخـر(20) .. يتجلّى هذا الاستخـدامُ المتنوعُ بوضوح في نـصّـيْ: "جثة بالمزاد" و "الثدي الملفوف"(21).
كـلّ هـذه الاعـتباراتِ السابقـة، إذن، تـجعـلُ من الحوار عند مليكة نجيب "يلتبسُ ببنيةِ السردِ فيندمج بـها، مؤديِّـاً إلى صياغةٍ سرديةٍ مـوحّـدةٍ، ويكون الكلامُ غير المباشر من الحوار أكـثـر اندمـاجاً بالسّردِ"(22).
ب‌-           تقـنيـةُ تـوظيفِ التـراث/ الثقافة الشعبية:
اسـتعـمالُ الدّارجي في اللّعبةِ القصصيةِ ليس جديداً، إنّمـا توظيفُه بـحَـمولتِهِ الطقوسيةِ؛ لأجـلِ إكسابِ النص بُـعْـداً عـميقـاً في امتدادِهِ الزمني والديني هـو الطّـفــرةُ التي تُـكسِـبُـهُ جِـدّةً:
"آرجالْ البْلادْ، آمولاي بوشعيبْ، آللا عائشة البحرية، أحموني راني في داركم"، ص: 11، قصة السماوي.
"الـطـيّـارة طِــيـرِي بِـــيّـــا   **   عند سيد النبي العْزيز عليّ"، ص: 12، قصة السماوي.
المقطعان معـاً، يعودان بالقارئ إلى تلك التعويذاتِ الخرافيةِ للجـدّاتِ، كما عـاد بالساردةِ – البطلةِ داخلَ فضاء نص السماوي بفعـل "تيمة التذكـر" إلى دهـاليزِ جـدّتـها.
ليس فقط بـدافعِ الاستعـمال الدّارجي يُـدركُ الـقارئُ ذاك الامتداد وتلك العلاقة التي تجمع بين الساردة وجدّتِـها؛ إنّـما يتبدّى ذلك من خـلال:
-         نشاطات يدويـــة: غزلُ الصّـوف مثلا "تتنقّـلُ الكوماتُ الناصعةُ البياض من خـارجِ الـطائرةِ إلى رأسـها لتحملها إلى كومات صوف ترعرعت بين أحضانها ..."(23).
-         استـحضارُ مقاماتِ الأولياءِ وماله علاقـةٌ بتلك الكرامات، في صياغةٍ لاتخـلو من سخـرية: "تـدافـع الـجدّةُ عـن ذلك ولا تتردّدُ في انتـزاعِ نعـلهـا وتلمَـسُ قـدمـيْـها بلطفٍ متسـائـلةً: أليست هـاته أقـدام صبيةٍ؟ اقتربي، المسي بيديْـكِ، برفقٍ، حتى لاتخدشي ليونتَـها بـأظافرك"(24).
وليَـتَـوَضّـحَ لـنا أكـثرَ بُـعْـدُ "تيمة التـذكر"؛ الذي يحتفي بــه نـصُّ "السّماوي"، نـقرأ "يتنـقّـلُ خـاطـرُ الـحفيـدةِ من أحضانِ الـجدة الضارب في الزمان، ويعود على أعقابه مرتبكـاً لذكر الموت ليلتحقَ بصاحبته التي عدلت من جلستِـها، وسحبت من عينها قطعــةَ الثـوبِ"(25).
وفـي شكـلِ احـتفاءٍ غـنائي باللغة الدارجة، داخل النص القصصي تخـتمُ الـقـاصّـةُ نصَّ السماوي بمقـطعٍ قـد يشكـلُ بـؤرةً للنص كـلِّـهِ .. تقنيةٌ يشتغـلُ عليـها كتابٌ آخرون جـدُد وهم يمتطون جواد التجريب، القاص عبد العزيز الراشدي مثلاً في نص: "دموع القـمر"، يختلفـان فقط في الابتداء بالمقطـعِ أو الانتـهاءِ إليه أو جعـله جـناحَـيْ النص؛ في البداية والنهاية معـاً.
ج- الاشتغـالُ على الـبُـعْـدِ اللُّـغوي سيـمـائيـاً:
لـمّا نـقرأ للـكاتبة: "عـندمـا دلفـتْ من باب الطائرةِ مُنحنـيةً كي لاتصطدم قـمةُ رأسِـها بالسقف، شعُـرت بالطائرة سمكةَ قرشٍ"(26)، أو قـولُـها، ضمن نفس القصة "وضعت فـوق عينيْـها قطـعةَ قـماشٍ تسـاعـدُها على الارتـخاء، ورأت بعد ذلك السّوادَ يتخـلّـل الـمجالَ الضيِّـقَ لأحشـاءِ الـقِرشِ" .. قلتُ لـما نقرأ هذا نستحـضرُ عـلاقةً سيميائيـةً تربطُ بين: الطائرة + القرش + السّماوي (= العنوان).
الطّـــائـرة: (للتدليل على الطيران في فضاءٍ أعلى، قرب السّما؛ تعبيراً لا واقعـاً) = السمـــاوي: (فيزيائـياً، مكـوِّنٌ لـه عـلاقـةٌ بالسماء) = القِـرش: (يتخـذ اللونَ الأزرقَ في هذه العلاقة السيميائية الثلاثية).
تجـمعُ بين الـمكــوِّنيْـن: الطائرة والقِـرش في العلاقـةِ بـالعنوان ركـيـزتـا: الشكـل و العبور، كـما اسـتدعـاء، في شكـل تناصٍّ موضوعـاتي، لقضيّـةٍ اجتماعيةٍ "الحْريـكْ"، "شـعرتْ بالطائرةِ سمكةَ قـرشٍ تبتـلعُ كائنـاتٍ تـقـدّمُ نفـسَـها قـربـاناً بكل إرادةٍ ورغـبةٍ"(27).
د- تقـنيةُ الـميـتاقـص:
تـظـهرُ هـذه اللغـة الـمعـجونة بالأفـكارِ أو التنـظير فـي قـوالبَ مختلفةٍ عند الكاتبة مليكة نجيب، فهي تارةً اشـتغـالٌ على موضوعـةٍ معيّنةٍ، داخـلَ فضاءِ النصّ القصصي، تيمة الأسمـاء مثلاً في قصة "يوم السّـعد"، نمثل لهذا التمظهـرِ من خلال الجدولة والامتداد التاليين:
الـمقاطع من النص
الصفحة
بُـعـدُها الـدّلالي
اسم يمتد شامخاً متحدياً / للأسماء بطش وجاه
19 / 21
المكانة والنفوذ
وربما للأسماء تأثير غامض على شخصياتنا واختياراتنا في الـحياة.
19
التحقير والتصغير
ألقابُـنا جـزء مـنا، تتحكـم في هـويتنـا وقد نصير كائنات غير موجودة بدونـها.
20
تأثير اللقب على الإسم
   - أسماء الأنترنت؛ في نوعٍ من السخرية من استعمالهـا، واكتشافِ لـعبـتِهـا، المرتبطـةِ أحيانـاً بـاللاواقـع "تنّينٌ يضـاجِـعُ سـلحفـاةً"(28) والحلمِ أحيانا أخرى: "هي تقـدّسُ لـغةَ الـضّـاد، وتحلم بأن تتوحّـدَ المفردات والمعاني لمواجهة التأويلات التي تُـتعِـبُـها" (29).
- أسماء الأبراج؛ فـي قـولبةِ الـقَلبِ؛ إذِ العـقربُ تنكمشُ والعـذراءُ تتعـهّـرُ والأسـدُ يـركـعُ، لتركـعَ معه الشـخصيـةُ القصصيةُ هي الأخرى؛ إذ هـو بُـرجـها.
يتـوضّـحُ اشتـغـالُ الكاتبة على "تيمة الإسم" أكـثــرَ في قالبٍ قصصي، من منطـلَـقِ اللغة الميتاقصية لـمّا تـذهبُ إلى حـدِّ الـقولِ على لسانِ الشخصيةِ القصصيةِ "ضيـاعُ المنعـوت بين تـعدّد واختلافِ النعـوتِ. وضياع الزمن في فـكِّ طـلاسمِ الـمفـهومِ"(30)، بعـده تترجّـل أسـلوبـاً، لتتوقّفَ عـند أسـماء بعينـها، مُـحـاوِلةً تشـريحَ جـسـدهـا، وفـكّ طلاسمِـها (العاطفة/ السياسة/ البيت)، في علاقتـها بـعنوان القصة يوم السعـد؛ المرتبط أسـاسـاً بمنطِـقِ: "للأسماء بطشٌ وجـاهٌ".
من جانبٍ آخـرَ، وبعـيداً عن الاشتغـال على تيمـةٍ مـا، داخـلَ نصٍّ قصصي، تتمظـهر تقنيةُ الـميتـاقص في محاولةٍ من الكاتبةِ خـلقَ جِـسْـرِ تواصُـلٍ مباشرٍ بينها وبين المتلقي، لتُـقـدِّمَ لـه أفـكارَ من خزانةِ مقـروئِـها الثقـافي، أكـيـدٌ، في عـلاقـةٍ متماهيـةٍ مـع فـكرةِ النص القصصي، مثـلاً لاحصـــراً:
"يذهبُ الطبُّ النفسيُّ إلى أن الأطفالَ أبـداً لاينسون المعاملةَ والتربيةَ التي يتلقونـها"،ص: 57، من قصة "الثدي الملفوف".
"يذهبُ بعـضُ عـلمـاءِ النفسِ إلى أن الأنثى نقيصـةٌ وأن الذكـر كـمالٌ"، ص: 58، من نفس القصة.
هـذه إذن أفـكارُ نقـديةٌ في سِـردابِ الحكي القصصي نفسِـهِ دون خروجٍ عن موضوعِ القصة التي تحوي تلك المقاطع فـي محاولة من الكاتبة - أيـضا - إضـفاءَ مـصداقـيةٍ ما على الفكرةِ – القـصّةِ، وسـعيـاً لأجــل "بناءِ نـوعٍ من التلقّـي الـشـفّـاف؛ بحيث تتضـمّنُ الـقصّـةُ حـواراً موازيـاً بين الكاتب والقـارئ"(31).

ثـالـثاً: خـاتـمة؛ عنـوانُـها "عـلى صهـوةِ جـوادِ التّـجريبِ تنـشُـدُ مليكة نجيب قـصّةَ "مابـعد التجريب".
هـو الـنـصُّ وحـدَهُ يـخـــوِّلُ لـصاحـبِـهِ تـأشيرةَ الـعُـبـورِ إلى ضفّـةٍ أخـرى مـن نـوعِ الـحكي .. هـي المغامراتُ ،أو دونَـها، فقـط كفيـلـةٌ بـأن تـجـعلَ مـن هـذا الـكاتبِ قـاصّـاً تـجريبـيـاً وذاك قـاصّـاً يظـلُّ عـروضـياً، وآخـــر، في غيابِ كــلِّ ذلـك، لا بـهذا ولا بــذاك.
لـم تكـن الكاتبةُ مليـكة نجيب لتـحفُـرَ أخـاديـدَ عُـضـوٍ دون آخــرَ مـن جـسـدِ الـقـصّـةِ؛ بـل سعـتْ إلـى خـلقِ "شـكلٍ آخـرَ للتـنوُّع فــي (مجـملِ) الـحكي الذي يلتقـطُ حـرارةَ مخـتـلِـفِ أصـواتِ الـمتـخـيّـلِ، والـتمـثـيلات الـدقيقة للأنـا ومـسـاحـاتِـهـا الــلامـحدودة"(32)، ذلك مـانبغـي الإشـارةَ إليـه بـاقتـضابٍ فـي النِّـقط الـتالية، كإضـافاتٍ نوعيـةٍ للـتِّـقـنياتِ الـسّـابـقـةِ:
أ- احـتفـاءً بــالمـكـانِ وتـذويبَ اعـتبارِهِ ركـيـزةً فـي بـناءِ القـصّـةِ، نجـدُ الـكاتبـةَ تتـعـمّـدُ تَـبْـئِـرتَـهُ عـنـوانـاً لــنصِّ "غـرفـةِ الـنّـومِ"؛ الفـضـاءُ الـضـيّـقُ مَسَـاحـةً الذي يـشهـدُ مَـسْـرَحَـــةَ فعــلِ الـرّغـبةِ فـي الانــتـحـار و "وضــعِ نهـايـةٍ لـمسيـرةٍ طـويـلةٍ مـن الـعـذابـاتِ النـفسـيةِ والأزْمـاتِ الـتي تـقـضُّ راحـةَ (الشخصيةِ البطلةِ فيه)"(33). كـل أحـداثِ هـذا القـصّـةِ ظلّـت تُـراوحُ هـذا الـفضـاء؛ بـل إنّ عـناصـرَهُ بالأسـاسِ هـي التي تؤثــتُ لـعبـةَ الـسّـردِ فـي الـنصِّ، وصـفـاً وحكـياً، تخييلاً وواقـعاً.
ب- احـتفاءً بــالهامش وتسـليطَ الضـوءِ عـلى عـالمِ الـمهـمّشين، نجـد أنّ قـصّـةَ "المنزل رقم 16"، هي منزلُ حكيٍ عـن حياة الخادماتِ، ووضـعِـهـنّ، ومـغامراتِـهـنّ، كـما أنه، ومن خلال ذلك، تعـريـةٌ في صيـغة القلبِ لحـياةِ سيداتِ البيوتِ وأسـيادِهـا، وما يتخبطون فيه من مـآزقَ حياتيةٍ، تعـادلُ أو تفـوق بـؤسَ الخـادمات أحـيـانـاً؛ إذْ "ليس كـل هـادئ مـرتـاح، فغـالبـاً – تضيفُ الساردةُ ضمن مقطعٍ سردي – مـانـخـطـئ عند إصـدار أحكـامـنا على الأشـخاص والأشيـاء من خلال مـانراهُ؛ إذ يكون الـهدوء غـشـاوةً يـخفي هـيجـانـاً وهَـمّـاً دفـيـنـاً"(34).
ج- يـشـكِّـلُ الاسـتبـاقُ ضـمن نص "غرفةِ النّـوم" حـبلَ الـحكي، مشـاهـدُ استبـاقيةٌ على طـول خـطَّ السـرد؛ إجـابةً عـن سـؤال: كيف سيتلقّـى الآخـرُ خـبرَ انتحـارِ الشخصيةِ البطلةِ في النص.
أخـيراً، ينـكشِـفُ أنّ الـكاتـبةَ مليـكة نجيب خَـطَتْ خُــطْـواتٍ شـاسـعـةَ الـمـدى في مـغامراتِ الـتجريبِ، وتـجـربــتُـها بذلك تـنـضافُ إلى تـجاربَ أخـرى مسّـت بكـتاباتِـها وآلـياتِ اشـتغـالـها أركـان مخـتلفـة مـن جـسـدِ الـقـصة المغـربية.

................................. =  الـهـامش  = ..............................

(1): الحبيب الدايم ربي، في حوار معه عن القصة القصيرة الجديدة؛ كتاب أفروديت، عدد مارس 2006م، الطبعة 1، ص:60.
(2): نجاة الزبـاير، همس اليراع، كتاب أفروديت، عدد مارس 2006م، الطبعة 1، ص: 13.
(3): نفسُـه، ص: 14.
(4): عبد الرحيم مؤدن، كتاب أفروديت، عدد مارس 2006م، الطبعة 1، ص: 56.
(5): عبد العاطي الزياني، كتاب: "السرد والتأويل: دراسات في الرواية والقصة" الطبعة الأولى: نونبر: 2009م، ص: 47.
(6): محمد معتصم، كتاب أفروديت، عدد مارس 2006م، الطبعة 1، ص: 48.
(7): نجاة الزبـاير، همس اليراع، كتاب أفروديت، عدد مارس 2006م، الطبعة 1، ص: 15.
(8): ليلى الشافعي، في حوار معها عن القصة القصيرة الجديدة؛ كتاب أفروديت، عدد مارس 2006م، الطبعة 1، ص:54.
(9): عبد العاطي الزياني، كـتـابُــهُ السابـق، ص: 48.
(10): الحبيب الدايم ربي، كتاب أفروديت، مرجع سابق، ص:60.
(11): نجيب العوفي، كتاب أفروديت، مرجع سابق، ص: 47.
(12): نجيب العوفي "مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية؛ من التأسيس إلى التجنيس"، الطبعة الأولى: 1987، ص: 499.
(13): نفـسُـهُ، صص: 498 – 499.
(14): علي عـوّاد: "الحوار القصصي من الوظيفة التواصلية إلى الوظيفة الشعرية"،.
(15): قصة "الثدي الملفوف"، مجموعة "السماوي"، صص: 59 – 60.
(16): نفسُـهُ، ص: 56.
(17): نفـسُـهُ، ص: 64.
(18): علي عـواد، مرجـع سـابق.
(19): المقطع الوارد الصفحة: 60، به علامات متيبوغرافية متتابعة.
(20): نص "غرفة النوم" مثلاً هيمن فيه ضميرُ الغائبِ في لغةِ النص السردية، وبقي التجريبُ في تقنية استعمالِ الضمائر عن هذا النص بعيـد.
(21): اُنظر خصِّيصــاً توالي الضمائر في المقطع الوارد ص: 29 (كان يعشق .... = الغائب/ سأعود ظافراً ..... = المتكلم/ لاتخلفي الموعـدَ = المخاطب).
(22): علي عـواد، مرجـع سـابق.
(23): قصة "السماوي"، ص: 11.
(24): نفسـُهُ، ص: 15.
(25): نفسـُهُ، ص: 15.
(26) و (27): نفسه، ص: 9.
(28): قصة "يوم السعد"، ص: 20.
(29): نفسُـهُ، ص: 22.
(30): نفسُـهُ، ص: 23.
(31): عبد المجيد جحفة، في حوار له مع أحمد بوزفور، الزرافة المشتعلة؛ قراءات في القصة المغربية الحديثة، الطبعة الأولى: 2000م، ص: 159.
(32): النـاشر لمجموعة "السماوي" = "منشورات القلم"، ورد بالصفحة الرابعة.
(33): قـصة "غرفة النوم"، ص: 37.
(34): قصة: "المنزل رقم 16"، ص: 76.
.................................................
·        مجموعة السماوي، منشورات القلم المغربي، الطبعة الأولى: 2006م، مطبعة دار القرويين، تتكون من ثلاثة وتسعين صفحة، وتضم تـسع قصص: (السماوي / يوم السعد / جثة بالمزاد / غرفة النوم / طلطيوش / الثدي الملفوف / المنزل رقم 16 / وتلك الأيام / الاستفسار).

..............................
محمد بوشيخة
كاتب من المغرب

نُـشـر بمجلة "البيان" بالكويت، العدد: 483 – أكتوبر 2010، صفحات: 47 – 54.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق