الجمعة، 17 ديسمبر 2010

الإدارةُ الـمغـربــيـةُ فـي خـدمـة الـكـلام الـفـارغ ..! - الحلقة الحادية عشرة من عمود "ضد التيار".


كــثـيـراً مـاردّدوا على مسـامـعـنا، وفي شـاشـاتهـم ومـحطـاتهـم، كـذا فـي لـقـاءاتهـم التي كـــثُـرَ عـددُهـا وقـلّت نتـائـجُـها .. ردّدوا ومـازالـوا "الإدارة المغربية في خدمة المواطنين" و "تقـريب الإدارة من المواطنين" و "اللامركزية / الـلاتـمركـز" ثـم "أخـلاقـيـات الـمِـهْـنة".
كـلّـها عـبـاراتٌ ومـفـاهـيـمُ تـدل عـن قـدرة سيـاسويـيـنـا على الـنـفـخ في المصطلحـات والتبـجـح بـهـا، مقـابـل الخـواء الذي يعـتري كـل أجسـادهـا، في ظـل غـياب أي تجسيد لـهـا.
"الإدارة في خدمة المواطنين"، عـن أي مـواطن يتحـدثون ..؟!، وكـأننا نحن نعيش في الـمريـخ ..!، مَـنْ مِـنَ الـمغـاربة يـومـاً أراد قـضـاء حـاجة إداريـة ولـم يـنـتـظـر لأجـلهـا سـاعـات أو عـاد لـيُـعاود الانتـظـارَ يومـاً أو أكـثـر ..!، مَـنْ مِـنّـا لـم يُـسـتصـغَـر أمـام مـوظّـفٍ صغـيـر يـبتـزّه، ويستـعرض أمـامه كِـسـوتَــهُ التي لم يلبسـها إلا بـعد أن أقـسَمَ على خِـدمـتهـا وخدمـةِ مَـنْ عصَـرتِ الضـرائبُ جيـوبَهـم، وامتصّت من أجـرتهـم لأجـل ثمـن شهـريته، لكـن – للأسف – انقـلب عليهـم وعلى مـايرتدي ليـرتـزق بـه وينهـبَ من جيـوب من لا يملكون قُــوتَ يـومهـم أحيـانـاً.
أحــايـيـن أخـرى تـجـد مـوظفـةً (مـوظّـفـاً) تشـكـل واسـطة بينـك وبين مسـؤولٍ لأجـل جـرّةِ قـلمٍ تخـوّل بين يـديـك وثيقـةً تحـتاجـهـا لغـرضٍ هـام، فـإذا بهـا خِـدمـةً للكـلام الـفـارغ تـعـطّـلُك وكـثــيراً مـا تتخـلّص منـك حتى يـوم آخـر محـدد، وغـالبـاً غـيـر مـعـلوم.
الإدارة في مدلـولهـا اللغـوي من "أدار يديـر الأمـر" .. معـناه، وفي ارتـبـاط بمبدأ المسؤولية، تتطلبُ قـدرةً من الـقـائد حتى يستطيع تدبير ما بحوزته من ملفـات وقـضــايـا؛ هـذا فـي وقـتٍ يمـلك فيـه سعـادتُـهُ ضمـيـراً رضـع من ثدي الوطنية .. ولأن أبنـاء الشعـب أدرى بـمَـنْ يسـيّـر أمورهـم في الجماعات المحلية / المجالس البلدية والقيادات الداخلية والمستشفيات العمومية والمراكز الأمنية حـتى ..!!، فهـم أدرى أيضـاً بـأن معـظم هـؤلاء تـنـكّـروا لحليب الأم أو إنـهم نـالــوا سخـطـهـا فسخـطـوا على مَـنْ تـولّـوا شـؤونـهم.
ففي بعض الإدارات الأمنيـة، لـمّا يـرغبِ المـواطـنُ تـهـييء أو إعـادة تهييء بطـاقـته الوطنية؛ التي تعـبر عـن هـويـته وانتـمائه إلى أرضـه الـتـرابية، يـجـد مـا ينـدى لـه الجبين من سلـوكـات تكشف عـن أنّ تـأكيد الوطنية؛ ولو على ورقة كرطونية (= لا تعني ضمنياً انتماءً حقيقياً ووطنية صادقـة) يحتـاج إلى دَهْـنِ الـجيوبِ المخفية عن طريـق دروبٍ ملتويــة .. وإذا تصـادف الأمـرُ وكنـتَ مِـمّـن يمتنعـون ركـبَ قـطـار مـخـرّبـي مـبـادئ الوطنـيـة، وعـدم مــدّ رشـوة للمحسـوبين على الإدارة المغـربية؛ تـأتـيـك الـبـطـاقــةُ وقـد حُــمِّـلـتْ خـطـأ حـرفـيـاً يستـفـزونـك بــه؛ لـتعـيدهـا بنقـود مـا أردتَ تسليـمـهـا ونفسـك راضية مرضيـة.
أمـا في تـلك الجمـاعـات المحلية؛ إن كنتَ مِـمّـن لم يصوتـوا على رئيسهـا الذي زوّر شهـادته المدرسية؛ ليجلس على كرسي الأبدية؛ دون أن يتقـن حتى الـحـروف الألـفـبـائيـة، لـك أن تـجـتــرّ نفس الحكـاية (= إهمال وإسفاف بأمورك الشخصية والتنموية بشكل واضح؛ خلاف من والاه بشكل فيه نفاق وسياسة ذر الرماد على العيون) في سنوات رئـاسته المتتالية؛ حتى تـرضى عـنك حـاشيـتُـه في الانتخـابـات الــموالية؛ إذا حنـيتَ الـرأس وردّدت: "مالي أنا حْـتى نكون ضد الإنسانية"، وتصبـح مقـلوبـاً مـع هكـذا شعارات انهزامية.
فـي المستشفيات العمومية؛ التي كــثـيـراً ما تُـــزهـق فيها الأرواح بمسمى الأخطاء الطبية، تعـالى نُسمِـعُـك الحكاية التالية: "في ذاك المستشفى أردتُ أن أجري لأبي عملية جراحية، فطلب مني الطبيبُ إحضار كــمّ هائل من الأدوية، وأرسلني إلى اسمٍ محـدّدٍ لصيدلية؛ منها تأتي وإليها تعود مساءً كـــل الوصفات الطبية، فلما سألت عن مالكهـا أخبروني خُـفـية وخِـيفة أن مَــنْ أرسلني هـو من يمارس من خلال صيدليته ومستشفى الشعب كل تلك الأعمال الشوفينية".
مجالسنا البلدية؛ تنظم أمسيات غنائية سنوية، ولما تحس بقرب فراغ خزينتها المالية، تدفـع بـالإدارات التابعة لـرقعتـها الترابية أن ترفـــع من ضـرائبــهــا على الطبقة الحافية.
لـك أخــيـراً أنْ تـعـرفَ أنّ الإدارة المغربية تــحـتـاج إلى كـثـيـر من التطويـر لتسـايــرَ مـغـربَ التنمية البشرية وإرادةَ التغيير الحقيقية؛ لتكون فعلاً في خدمة المواطن، لا في "خْـــدْمْـــتُـــو ..!!"، وأنت تعرف طبعاً الفرق بين الأمرَيْــن.
محمد بوشيخة
mljabri1979@hotmail.com
.........................
نُــشـر بـجريدة عيون الجنوب: عدد: 21، دجنبر 2010م