الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

زمـــنُ الـمدوّنـاتِ ومـوتُ الإرادات - موضوع الحلقة التاسعة من عمود: "ضد التيار".


لـستُ هـنا لأدافِــعَ عـن الحـكومـة المغـربية فـي تطبيقـها لـمدونة السير على الـطّـــرُقِ رغـم أنف ملايين الإرادات الشعبية؛ التي رشّـــحتهـا لـتمـثلهـا في الـواقـع بـدلَ أن تعـبثَ وتـهرّج بهـا في تـلك القـبّـة الـبَـرْلـغْـمَـاتية؛ بكـل بسـاطة لأنـي بـجانب العـديد من المتحسِّـرين والغيـورين عـن أحـوال وطننـا لــم نـعـايـن بـرلـغمانـاً يـدّعـي ممثـلوه تحـقيــقَ عَــتَــبـاتٍ مـن الـدّمقـرطة والحـداثـة يحـوّلـون أغـلب جــلْـساته إلـى مسـرحيـة عـنوانُـها " شْــدْ فــيّ نْـــشْـدْ فــيـكْ "، وهــم بذلك يبتعـدون عـن هـمومِ الـمواطــنِ العـارفِ وغير العارفِ، ويكفـيكَ أن تعـودَ إلى إحـدى تـلك الـجـلْـسات الـبـرلـغـماتية (= جلسة 02 يونيو الـفـائت مثـلاً)؛ التي تبـثّـها القـناةُ لـتَـنـظـرَ كيـف أنّ مـمـثـلي الشعب مخـتلفـون عـن الـمقـصود بــــ:" نقطة نظـام" و "السؤال الشفوي"، وبـعد مشـاداة كـلاميـة بين هـذا وذاك رفـــعَ رئيسُ البرلغـمانِِ الجـلسةَ، فـأعقـبـه الممثلـون البرلغـماتيون في مسرحيتـهم بشكـل جـماعـي بــ" وُوُوُوُوُوُ ..."، حينـها انقـطـع البـثُّ، لينتهـيَ الـمتتـبعُ بـخـلاصـةٍ مـفـادهـا: "فـعلاً؛ إنهـا مسرحيةٌ داخـل خشبةٍ مغـلقـةٍ شـاء لـها البثُّ المباشرُ أن تكشـفَ مـايدور داخـلهـا؛ ليـعرفَ الدّاني والقاصي أن الممثليـنَ تــايْـضْـحْـكو عْــليـنا".
مدونـةُ السّيـر فـي الـطّـرقِ كـثُـرَ اللّـغـطُ بيـن كـلِّ الأوسـاطِ عـن بنـودهـا، وكيف يمكـن تـمريـرُهـا فـــي ظـلِّ غـيـابِ الحـد الأدنـى مـن الشـروط التي تسـمح بـذلـك؛ لأنـه كثيـراً مـا يغـفـلُ مَـنِ اسْــتُـوزِروا (= بكسر الزّاي) عـلى رأس هـذه الـوزارة أو تـلك أن مـفـتــاحَ التغـييـرِ فـي أيِّ مــجالٍ داخـل وطـنٍ كـالمـغرب ليس مـرتبـطـاً بـالمدونـات وســنّ الــقـوانـين التي تحـتاج لبنيـةٍ متـكـامـلةِ الأطــرافِ وهـيـكلـةٍ اجـتمـاعيـةٍ أولـى لـنا أن نــؤهّـلـها هــي الأولــى؛ ثــم إلـى جـانب هــذا بـل وقبـلَـهُ خـلـــقُ إراداتٍ حقيقيةٍ تبغي التغـيـيــرَ وتـؤمـنُ بضرورتـه.
فهـكـذا مــدونـة ببنـودِهـا الضّخـمةِ تتطلّـبُ مـن وزارةِ الـتّجـهيـز أن تـكــونَ فـي الـمـوعـد، فـمـجـموعـةٌ مـن الـطّـرقـاتِ عـلى مسـتوى جـهات الـمـملكة تـفـتقـرُ لـعـلامـاتِ الـتشـويـرِ، وبعـضُـها غـير معـبّـدةٍ، أمـا العـنصـرُ البشـريُّ الذي سيسهـرُ على تفـعيـلِ وتـحريـكِ هـذه الـمدونة إما أنـه يجـهلـها أو في حـاجـةٍ لـزمـن طـويـلٍ ليتـعَــرّف عـلى سطورها؛ حينـهـا قــد تنقـلبُ الـموازنـةُ ليــنتـفـعَ بـهـا هـو الأول ويستـغـلّـها ليـرفـعَ مـن سقـفِ ظـواهـر مشينـة عـانى ومـازال يعـاني منـها مغـربُــنـا الحبيب.
أمـا جهـازُ العـدلِ، وعـن أيِّ عــدلٍ نتـكـلّـمُ ..؟؟، سيكـون قـضـاتُــهُ فـي ظـلّ هــذه الـمدونـة أمـام معـركـةٍ ستكــثُـرُ مَـشـاهـدُهـا وتتـلـوّنُ بِــتَــعْـدَادِ الـملـفّـاتِ التي سـتُـعرَضُ على أنـظارهـم.

بالـمقـابلِ؛ لا أحـد يجـهـلُ الوجــعَ الذي تخـلّـفه حـربُ الـطرقـات ببـلادنـا، وتتـألّـم بسـببه عـديـدٌ من الأسـر لفـقـدانـها فـرداً مـن أفـرادهـا، ولا يخفى عـن أحـدٍ كيـف أن غـيـابَ التربية الـطرقية لا الاكـتفـاء بـتعـلّمِ السيـاقة قد يجـعـلُـك وأنتَ الـمحـتاطُ في قـيادة سيـارتـك مُــرتـطِــمـاً بــمُـترجِّـلٍ يقـطـع الـطريـقَ في مـنـعـرجٍ وهـو سكـرانُ، أو تجـدُ نـفسـك مُنــحشِـراً مـع ركّـــابِ حافـلةٍ؛ ولأنـك قــريـبٌ مـن قـائدِهـا تُـعاينُــهُ وهـو يحـتسي خـمرةً أمام أعـيُـن جـبـالِ "تِــشْــكـة"، مُـتمـايـلاً مـع صـيْـحـاتِ رفـيـقـاتِ محمد رويشة .. أمـا الأدهـى والأمَـــرُّ وجـودُ تِـلـفـازٍ مُـلـصَـقٍ بـرأس الـحافلة من الدّاخـل طبعـاً لايفـوِّتُ السّـائـقُ نفـسُـهُ فـرصـةَ الـتطـلّعِ إلى مـايجـودُ بـه بطـنُـهُ (= بطـنُ الجـهـاز) من رقْـصـاتٍ وسكيتشـاتٍ، ولـمّـا تـحدِّثُـهُ عـن خـطورةِ مـايفـعـلُ ينتفِـضُ فـي وجــهِـكَ ويُـبـاشِركَ ( حتّى تْـكونْ انْـتَ اللّـي سـايْـقْ)، وإذا تـذكّـرَ الدّارَ الآخـرةَ لحظتَـها يُــضيـفُ (وَرَاهْ مُـوتْ وْحْــدة اللي كـايْـنة أصاحْبي).
أصـلُ التـغييـرِ – إذن – ليس في سـنِّ الــمـدوّنـاتِ؛ إذ كيف للسّـطـور والمسـاطـرِ أن تَــحُــدَّ مـن ظـواهــرَ تغـيبُ وتـموتُ الإراداتُ الــمُـسْـهِـمـةُ في نـجـاحِـها .. ويكفـيـنا تمـثيـلاً بـــــ"مدونة الأسرة"؛ فـأول مَـنْ يــغُـضُّ الـطّـرفَ – بدرايــةٍ أو بـغـيـر درايــةٍ – عـن تطبيـقِ بنـودِهـا هـم بعــضُ الـقـضاة.

محمد بوشيخة
mljabri1979@hotmail.com
 نُــشر بجريدة "عيون الجنوب"، عدد: 19، أكتوبر 2010م.