الأحد، 24 يناير 2010

مشروع الثقافة المكتبية - مـتابعة للكاتب شكيب أريـج


مشروع الثقافة المكتبية
انتبــــه!!. يمكن لمهرجان من العتمات أن يخفي الهامش المضيء

العتمة قد تكون تلك الأضواء الساطعة حد العمى، والفلاشات الخاطفة والميكروفونات والبدلات الأنيقة، تلك كلها بهرجة قد تكون من أجل فتح الأعين على اتساعها وغلق العقول على رحابتها. يشير الأستاذ محمد بوشيخة في تقرير له عن تجربته في أنشطة مؤسسة تربوية إلى إفلاس المعارض الدولية، يقول: “..فالمعرضان الأخيران بتونسَ والمغـربِ وبعيداً عن التقارير السطحية، الرسمية وغير الرسمية، أظهـرا عـزوف المواطن العربي عن هذا الفعل.

بلوعة يطرح الأستاذ محمد بوشيخة سؤال القراءة في صميم هموم المربي بالمؤسسات التربوية، وهو يقدم لنا تجربته المتفانية كإجابة من ضمن عدة إجابات يمكن أن يقدمها رجل التعليم.

إن واقع الحال بالمراكز كما في الهوامش - بخصوص فعل القراءة - ينبئنا بــه لسان أدونيس حين يقول:” المعدة في الرأس والكتف تحت الخاصرة” غير أن تجارب المــــراكز طغت عليها النخبوية والرسميات فلم تعد مسألة القراءة مسألة شعبية بقدر ما غدت تلوينات وأبراج عاجية.

بـأقاايغـان - إقليم يبعـد عن طاطا المركز بـسبعين كيلومتراً = به ثانوية المسيرة الإعدادية – هيّــــأ الأستاذ محمد بوشيخـة مع تلامذته مشروعاً ارتأوا من خلاله تحقيق فعل القراءة، أسموه بـ”الثــقــافة المكتبيـــة”، ضِمنَـهُ يلتقـون مرة في الأسبـوع ليناقشوا كتباً، عددها أربعة، تُـقرَأُ من قِبَـلِ أربعة تلاميذ. وضع الأستاذ المؤطر هدفــاً أساساً وواضحاً يعلن عنه كمحدد أساس لخطة العمل:
الثقافة المكتبية” مشروع نبتغي من ورائه تحقيق غايات تجعل من المتعلم: محبـاً للمكتبة، عاشقـاً للقراءة، راغبـاً في الكتابة، جاعـلاً من العمل الجماعي قاعـدة لإرساء كل مشروع مجتمعي، وطني .. نهضوي ".

بعـــد مرور سنة على المشروع ماذا تحقق؟، وأي أفــق ينشده الأستاذ المؤطــــــر؟.
لا شك أن هذه التجربة كفيلة بتطوير ملكات القدرة على النقاش والجدال البناء والقدرة على المواجهة وبناء السؤال، وهو ما تسعى إليه أرقى المناهج التربوية إلا أن ما يخيف بعض المتتبعين من بعيد لتجربة “الثقافة المكتبية” هو ترسيـــخُ منهـــج الشــــك وفتنـــة النّــقـد؛
ولأن قراءة أربعة كتب في الأسبوع من العيار الثقيل هي بمثابة أربــــع انفجارات فإن – الوثنييـــن- على حد تعبير الشاعر عبد الهادي روضي يخــــافون من مِــلحاحية السؤال لدى قارئ خرج من مدرسة الثقافة المكتبية ليدخل إلى باحة مدرسة الاستكانة. لذا فقـــد تم انتقــــــاد هذا المشروع نظـــــراً للمتاهات التـــــي يخلقهما بالنسبة للمستفيد/المتضرر. ردة الفعل هذه مردها إلى سبب بسيط هو عدم إيمان هؤلاء بأن العطر لا يعيش إلا تائها. وهو ما دفـــع بـــزُمرةٍ من الأساتـــــذة إلى توقيع عارضة مضادّة لمثل هكذا مشاريــــع، لكن ارتباك الموقعين جعل بعضهم يتراجع أو يتردد وارتــــأت الإدارة التربوية للمؤسسة أن تحتوي الموقف، مع أن تأجُّـــــجَ مثل هذه المواقف دليل إيجابي على صحة الوضع الثقافي وقوته ومدى تأثيره.

ارتباط فعل القراءة بالمؤسسات التعليمية هو ما يجعل الكثير من الناس ينعتون “الدراسة” بـ” القراءة ” لذا فإن خيار الأستاذ محمد بوشيخة بجعل مشروع الثقافة المكتبية ينجز بفضاء مكتبة الجماعة المحلية وهو خيار يستجيب للهدف الأساس الذي رسمه بدءا:”.. جاعـلاً من العمل الجماعي قاعـدة لإرساء كل مشروع مجتمعي، وطني .. نهضوي.”

لترسيخ قاعدة العمل الجماعي عمل أعضاء هذا المشروع إلى جانب المشرف عليه على تنظيف فضاء الخزانة الجماعية وإعادة تنظيم الكتب في الرفوف لحظة إشراف السنة على نهايتها، إيماناً منهم بضرورة وضع اليد في اليد للسير قُـدُماً في كل مشاريع المجتمع.
يصرح الأستاذ المؤطر لنا بجملة من الأهداف المتحققة عن هذه المبــــادرة:

- القدرةُ على فرز الكتب وتصنيفِها حسْبَ الحقول (أدبية / فكرية / علمية / ...).

- القدرةُ على تنظيم الكتب في الـرفـوف.

- التشـبّعُ بمبدأ التشاور والتفاهم في أمـور تخـص التنظيم المكتباتي.

- إحسـاسُ المتعلمِ بأنه مواطن مشارك في أعمال مجتمعية.

- نكرانُ الذات وخدمةُ الآخرين من خلال تحسين ظروف الفضاء؛ الذي هو ملكٌ للجميع.


أنا أعمل..إذن أنا موجود” وعلى حد تعبير النفري: “لا أراك حتى أراك تشتغل” إن دينامية التنشيط والوعي بمأساة الثقافة لا يمكن أن يكون أمرا مفتعلا أو مظهريا بهذه الربوع، خاصة وأن من يعمل ويخلق مبادرات جادة يشهد له بذلك. لكن المركز يصر أن يتغاضى عن تجارب الهامش، فيلبس نظارة التجاهل القاتمة ليجيب عن سؤال القراءة والثقافة في عليائه بموجات من التصفيقات.

...........................................

· أقوال الأستاذ محمد بوشيخة مستقاة من تقرير شامل له عن الأنشطة التي تقام بالهامش وبالخصوص تجربة الثقافة المكتبية، وقد عنون المقال بـ ” أحيانا يلد الهامش ما عجزت عنه المراكز.

· أدونيس. أبجدية ثانية- دار توبقال الطبعة الأولى: 1994– ص: 15

كاتب هـذا المـقال: شكيب أريج.

المقال المنشور بجريدة عيون الجنوب العدد01، أبـريل: 2009م.


أخـذناه نحن ضمن تعليقه على المقال الأصلي "أحيانا يلد الهامش ماعجزت عنه المراكـز "، لترى ذلك اتبع الـرابط أعـلاه؛ بالضـغط على العـنوان الـرئــيس.