الأربعاء، 17 يونيو 2009

صـمتٌ رهيبٌ بين أحـرُفٍ تـستـفـزّنـي - ســــرد


صمـتٌ رهيـبٌ بيـن أحـرُفٍ تســـتفـزُّنــي

أيـام الاستـعداد، أجمع أوراقــي المشتتة، القادمة من بلاد أوروبا، الشام، العراق ... المتحدثــة عن فترات مضت وأخـرى ستأتي، الزّاعمة أن عجلات المجتمع بها تتحرك، الرافضة لكل سطوة.. تأزّم وجهل.
قلت، أحمل كل تلك الأوراق وأترك مُـعقّدتي، التي في حاجة لِـلَمْـلَمَة كـل القوى والقفز إلى الأعلى .. حاولت القفز منذ أيام الصّبــى إلا أن فهمها استعصى عليّ؛ ولأنهــا تستفزّني احتقرتها وأعلنت إضراباً عنها.
انتهى الاستعداد وحل موعد الاختبار، دخلنا الفصل، انتظرنا قليلاً فوزعواْ الأوراق، صافحت ورقتي وقبل ذلك حـيَّـيْـتها فردّت كل الأحــرف الألفبائية التحية بأفضل منها، فأيقنت منذ الوهلة الأولى أن الخير كلّ الخيـرسيجمعنا، نظرت إلى الأسئلـة فوجـدت الألف فـرحـاً والباء مـتّـكئـة والجــيم مــعوجــة تتعـجب والميم معلنة الصـمت مسـتـحـيـيّـة، وكلها موجودة في جـو ملئ بالفرحة، مستعدة لاستقبالي.
بـدْءاً، تحاورت معها .. ألفيتهـا مِعطـاءةً .. محـبّة للخيـر .. فانعرجت داخل فضائها .. فتّـشت كل بيوتهـا، فعـاينت "الكتـاب" حـاويـاً المرفـوعات والمنصوبـات والمجـرورات وكـل أطياف ذلـك فرغبت رهنهــا.
قـال الكتاب مرحباً: لـك مـاتـريـد ...
حملت كل تلك المفاتيح وخطوت إلى الحـجرة المجاورة وقبل طـرق بـابها قـال" كتاب الإملاء والصرف والتركيب":
- هَـلُـمَّ ولاتخــف .. البيت بيتك والكتب كتبُــك ...
انشرحت فرحـاً وألفيت نفسي كـاملاً مكمولاً، فعدت إلى مائدة الحــوار وألقيت كل مابحوزتي مـن محتويات ومن " ع ل م "، وخـلُصـنا إلى مـقترحـات ارتاح إليها كل الحاضرين، خـلالـها همـمت بالخـروج واستأذنت "الأستــاذ" فتــعجّـب لأمــري.
- أأنهـيت الإجـابة ..؟
- نعـــم أسـتاذ ..
- بهــذه السرعـة ..!
- طـبعـاً أسـتـاذ ..
- فقـال لـي: تفـضل بني .. وفقك الله
لم يمر من الوقت إلا عشر دقائـق .. سبحت فيها مع كل الأحـرف، زرت أثناءهـا سيبويــه .. الجــاحظ .. الزمـخشري، وكل علمــاء العربية، فظننت نفسي قضيت يوما أو أكثـر .. أدركت أيضا أن المواجهــة - المحــاورة تستحثــك إلى الاستعانــة بـكل مـا أتيح لـك لاستـنـزاف الخـصـم، عـفـواً لإقــناع المــحـاوَر.
جــوّ أحـببـته وارتحت إليه كثيـراً فخـرجـت منـه منتـصراً تغمـرني الفـرحـة من كـل جـانب.

مساءً، بدءاً من الثالثة، اختبار اللغة الفرنـسية ..

وأنـا في المنزل، بـعد تـناول وجـبة الغــدَاء سُـرِقـت مني الحركة، غِـبت عـن الواقع، حضرتني هلوسات مشوبة بالفرح والحزن، فرحُ الصباح وحزنُ المساء، زمانان يتصارعان ويصارعنَنِي، صباح يريدني فرحا ومساء مكهرب يرغب تعكير الجو واستفزازي في خـضم بحره الأسِـنِ، أردت النهوض فرفض الصباح، أعدت الـكَرة وباستعانة المساء فأُفـزِعت وأصدرت حركات بهلوانية .. نظرت الساعة فـوجدتها أقــرب من وقت دخول مـادة "اللغة الفرنسية" لاجتياز اختبارها ..
لملمت نفسي .. وهرولت خارجا البيت، قاصدا ساحة الوغـى .. نسيت كل لوازمي .. الأقلام .. الأوراق .. أما دفاتر المادة فلم أعهدها ولم تعهــدني ..!.
اقتربت من الساحة فأحسست الجو مكهرباً .. نظرت الوجوه فألفيتهـا حـزنـة غير آبهـة بما حـلّ بي .. بمـحاذاة الحجرة وجدتُـني غير قـادر على الإقـدام فتـذكـرت رمـوز" مادة العلوم الفيزيائية"، فاعتبرتني سالباً (-) والحجـرة كـذلـك (-)، وأدركت أن السالب والسـالب لايـلتقيــان ...
جذبـوني، حسبوا أني الذي أرفض، أجلسـونـي، مـدواْ إليّ الـورقـة، ولما ألقيت النظرة الأولى وكأن لاعهد لي بـهذه اللغـة، حروف مـعوجّة .. حزنـة .. فـ "E" مـاداًّ كـل أرجله و "M" نـائمة من كل أطرافـها و"N" لاتـدري رأســه من رجله .. فمـا السبيل إلى التواصل ...!؟.
رفعت يـدي معلنا السلام، قاصدا التحية، فـلا أحـد من الجمـع تـحرك ورد السلام .. أيقنت حينها سبب تأزمـي في النوم وتـكـهربي وسْــط الساحة.

ذ: محمد بوشيخة
يونيـــــو 2006م
أقاايغان - طاطا.
نشرت بتاريخ: 22 / 23 شتنبر 2007م لموافق لــ 09 / 10 رمـضان 1428هـ العدد: 164 – جريدة المنعطف.