الأحد، 30 أغسطس 2009

القــــاص والـــــناقــد الـــمغربي محمد بوشيخة ... فـي ضــيافة المقــهى ؟؟ - حوار أجرتـه معي الكاتبة المبدعة فاطمة الزهراء المرابط





  • - مَـنْ هــو محمد بوشيخة ..؟.

    صِـدقـاً مازلتُ أبحثُ عـن أنَـايَ، خـاصّةَ في علاقة الفكـر (= مايسكُننا من أفكارَ) بالفعل؛ الصديق الملتحي يراني على مقاس توجُّهـه، والزميل اليساري عـادة مايناديني بـ: "الرفيـق"، بناءً على نقاشٍ مـا، مع ماتحملُـهُ الكلمة من دِلالـةٍ في أوساطنا الجامعية، وصنفٌ آخـرُ يرى أنّـني جابـريُ - محمد عابد الجابري- التوجّهِ، وهذا أكثـرُ ..!.
    الأمرُ لاعلاقـة له بتـعدّد الأوجه، إنما تطـبّعُ الناس على التصنيف والفرز بين بني البشر، وهنا تحضُـرُنـي حكاية غريبةٌ مع أحدِ الملتحِيـن، ونحن نناقشُ في إحـدى المقاهي موضـوعـاً ما، ولأنه يُـكثِرُ دليلاً "قال شيخُـنا"، وأعودُ بـه إلى مايُعاكسُ ذلك فلسفـةً، دون أن أمنَـعَـهُ مرجِعَـهُ، أجـدُهُ يقـولُ لـي "لاتستدل لي بفيلسوف ..!"، علمـاً أنّ هـناك فلسفةً إسلاميةً، وابنُ رشـدَ رائدُهـا، فمـا كان مـنّي إلاّ أن قلتُ مردّداً مع الجـابري: "لماذا لانأخذ الحكمةَ ولو من الشيطان"، دون ردّ منـهُ أقفَـلَ الموضوع غير متقـبِّـلٍ نقاشي مرة أخرى .. من جانبٍ آخر وأنا أقدّم ورقـةً ذات لقاءٍ عــن: "أخلاقيات المربي – الأستاذ"، بسطتُ خلالها تصرّفاتٍ تعتري جسـدَ المربي اليوم، واقـفاً عند عـوْراتِـه (= كما ورد في مقال منشور لي ضمن جريدة المنعطف الثقافي)، بمجرد إنهاء اللقاء أجدُ طابوراً من زمـلاء (= زملاء ..!) في العمل يتـهمونني بأنّـي أزرعُ فـتـنةً تجعـلُ المتعلمَ لايـحـترمُ أستـاذَهُ، وأنّـي إنْ أردتُ الأخلاقَ فيجبُ أن أتـلـمّسَ ذلك في الـمسجدِ.
    لننظر إذن المفارقـةَ ..!، المشكـلُ يكمـنُ في أنّ كثيراً من الناس - للأسف- مازالوا يؤمنـون بقاعدة " إمّـا مـعي أو ضدي".
    يبقـى أنّـي ماأعرفُـهُ عـن محمد بوشيخة هو أنه حيـوانٌ يقـرأُ دومـاً، يكتبُ أيَّ شـيءٍ عن أيِّ شـيءٍ، دون ظـنّ منـهُ يـومـاً أنـه يستحقّ صفـةَ "كـاتـب" .. السؤالُ يظـلّ فتـنتـهُ، والبحثُ عن حقيقةٍ ضائعةٍ ديدنـهُ، والسعيُ وراءَ ترشيـدِ المتعلم على الاختلاف المحمود غايـتهُ، أمـا العزلـةُ فهـي صديقـتُـهُ الـمفضّلَـةُ.
    ميكانيكياً، من زاكورة مـولدُهُ، وبين صفوف المتعلمين يقـضي معظَـمَ أوقاتِـهِ، درساً وتنشيطـاً.


    2 ـ كيـف تورّطـتَ في عالـم الكتابـة ..؟.

    بدايـةً كنتُ أُخَـربِـشُ بعـضَ الكلمات في أوراقَ يتيمـةٍ، أتّخـذُ من مـطَـبّات حياتي موضوعاً لها، ولأنّ الوحدةَ / العزلةَ شارَكَتْـني بداياتي (= سنوات الإعدادي) لاأجدُ مـخرَجـاً يُـبْـعدُني عن التأمّـل والتفكـير، صغيراً كنتُ أتأمّـلُ النجومَ في الظّـلامِ الدّامس، شـابّـاً يافـعاً بـتُّ أمـارسُ الـشكّ في كـلّ الأشياء المحيطة بـي .. المذكراتُ مدرستي الأولى التي تقـبّـلتني حافي القدمَـيْن، أخـطّ وأكتبُ، فقط لأنّـي أريـدُ أن أسـجّـلَ، مع توالي الزمـان واكتساب تجربة الكتابة، بتنوع المقروء، مع كثرتـه طبعـاً، وجـدتُـني مع نصوص، صِبغـتُـها اليومية ولـونُـها ينحـو منحـى اللغة الإبداعية (= نـبّـهني للمستوى الإبداعي الذي تـمتلِـكُـهُ مذكراتي/ رسالاتي الدكتور الناقد عبد العاطي الزياني، وإليه يرجع الفضل الكبير في تشكيـلي، فمن مكتبتِـهِ النّـفيسةِ تشـرَّبتُ الكثيرَ من العلـوم، ومن توجيهاته السديدة وجـدْتُـني قـادراً على الكتابـةِ دون سابق إعـلان.
    والأيام تـمُـرُّ لأجـدَ بحـوزتي مئات المذكرات، تتجاوز الواحدةُ أحياناً أربـعَ صَـفْـحاتٍ، وبالعودةِ إليها مـرّةً تلو الأخـرى أدركُ أنّ الكتـابةَ ليست فقط موهـبةً، بقدر ماهـي، إضافة إلى ذلك، مِـراسٌ ودُربـةٌ ثـم صَـنْـعَـةٌ.
    حُـبّاً في التفكيـر غير المحدود، وعِشقـاً في السـؤال المشـاكِـس، بداية الجامعة، وأنـا المتـوجّـهُ توجّهـاً أدبياً (= اللغة العربية وآدابها)، سرقتنـي كتبُ المفكر المغربي الكبير محمد عابد الجابري، فانكببتُ عليهـا واحداً تلو الآخـر، والفضلُ كذلك لاغرو يرجـعُ إلى مكتوبِـهِ في جعل اللغة التي أكتبُ بها معجونة بدقيق يـمـزجُ بين الكلمة الفنية والكلمة الفلسفية، أمـرٌ لايعنـي أن كـلَّ كلمةٍ فنية هـي غيرُ فلسفية، والفلسفية بعيدة عن الفنية.
    ولأنـي على الشكل الذي رسمـتُهُ آنفـاً، مُـظهِـراً البدايات، وكيفية التيه في هذا العالم السّحري، عالم الكتابة، أبـخَسُ فعـلَ التخـصُّصِ؛ الذي يقـتُـلُ الذات ولا ينمِّـيهـا، فالمبدعُ أصـلاً هـو مَـنْ يتـشـرَّبُ من معين كـلِّ العلـوم، حتى إذا كتبَ أجـادَ، وإذا تحدّثَ أصـابَ ..
    وأنا أتحدثُ عن البداية، وحيثُ شغـبي بالعلم يوازيه شغبي بطرحِ السـؤال، أيّـام الجامعة، السنـة الأولـى، أشار لـي أحـدُ أسـاتذتي (= الأستاذ الفاضل الدكّـالي)، لـمّا كنتُ أنـاقشُـهُ بضرورة التوجّـه فلسفيـاً لاأدبيـاً، هذا ونـبّهـني الأستاذ الفاضـلُ صالح أزوكاي، السنة الثالثة جامعة، للروح النقدية التي أمتلكُـها، قائلاً لـي بالحرف: " أتوسّـمُ فيك ناقـداً إذا مـازِدتَ العمـلَ بالبحث العلمي الرّصين".
    هـاتان الشهادتان وغيرهما كثيـرٌ من شهادات أسـاتذتي، خلال المسيرة التعلّـمية، تظل تشاكسُني وتُـمـزِّقنـي حتى وجـدتُـني على الشكلِ الذي أرسـمُـهُ الآن – بدافعٍ مـنكِ أستاذتي – ضمن لوْحـاتِـكِ الفنية، أقصـدُ حواراتِـك البهـيَّـة.


    3 ـ كيف تقيم وضعية النقد في المغرب .. ؟ وهل الدراسات النقدية تساهم في الدفع بالمبـدع إلى الأمـام .. ؟.

    أوّلاً، وتوضيحـاً لبعض حفـريات السؤال فالنقد هـو كـلّ ماأنتجـهُ الفكـرُ في أبعاده الابستيمولوجية، كما أنّ الإبداعَ لايقتصـرُ على الأجـناس: قصة، مسرح، رواية، شعر، ...، إنّـما يمكن ملامسـة فعل "أبدع" ونحن إزاء نصّ نقديّ.
    بلون آخـر، هـل هناك حدودٌ وتمـفصـلاتٌ بين مـانسميه نقـداً وماننعتـهُ إبداعـاً ..؟؟، للتوضيح أكثر، حيث بالمثال تظـهرُ المـعالِـمُ، مايكـتُـبُـهُ المفكر المغربي محمد عابد الجابري أليس إبداعـاً إلى جانب كونه نقـداً ..؟، ومتى كـنّا مـع مـايُـماثـلُ منتـوجَـهُ رؤيـةً وتَـشَكُّـلاً، كـلّ إنتاجه إذن يعدّ ذخـائـرَ مـن بناتِـه شـرعـاً، فهـو مبـدعُها ، أمّـا صِـبغـتُها النقدية فأمـرٌ متّفق عليه وبـادٍ بنفسـه، من صياغة العناوين: (= مشروع نقد العقل العربي / مدخل إلى فلسفة العلوم/ من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية/ الخطاب العربي المعاصر/ إشكاليات الفكر العربي المعاصر/ مدخل إلى القرآن الكريم/ فهم القرآن الكريم/ ...)، إلى ماتـحتويه كلّ تلك الكتب.
    ثانياً، إذا كـانت الصـورة على النحو الذي سبقَ، فإنّ النقد في المغرب كان ومايزال يعيشُ تمـزّقاتٍ كثيرةً، فِـكـراً مَـنْ أنتجـوا نقداً، مستنطِـقين بذلك نصوصاً رصينة، قديمة وجديدة، يعدّون على رؤوس الأصـابع في المغرب.
    أمّـا النقد الأدبي فـمُنعرجاتُـهُ واضحة لكلّ متتـبّعٍ؛ إذ تتحـكّمُ فيه مجمـوعة مـن الإواليات والخلفيات التي لاتبـعُـدُ عـن: "القطيعة الـزمنية" و "الإخوانيات" و "الانتماء المـؤسّسـاتي" وأمور أخرى كثيرة ..!!.
    القطيعةُ الزمنيةُ، وبعيـداً عن ذكر الأسمـاء الـمُسْهِمة في ذلك، قـلّما تـجدُ ناقـداً مغربياً له باعٌ طويلٌ في المجال يهتم بمنتـوجِ الشباب المبدع، لِـمَ لهذا الأخيـر من امتداد ورصانة إبداعية، حتى ظللنا نعاينُ دراساتٍ نقديةً عن نفس الأسماء، بل وعن عناوين ذاتها، وإن كانت تفتقد لأدنى شروط الإبداعية ..!!.
    قطـيعةٌ جسّـدتِ البُـعدَ الإخـواني في الكتابة النقدية، ثم زادت في بروزه حتى بِـتنا أمام أسـماءَ تتـكرّرُ رغم رداءة نصوصِها، فقط لعلاقـاتها وانتمـاءاتها، والدراسة لأجل الكشف آتية لامحالة، خاصّة على ملحقات ثقافية. يـخـوّلُ المشرفون عليها لأنفـسهم سلطةً ثقافيةً، لاندري من أين لهم بها ..!!.
    تلك أمـورٌ وغيرُهـا كثيـرٌ تستدعي مساءلة المؤسسة الثقافية، لِـمَ لها من دورٍ فعّـال في خلقِ دائرةٍ منـارُهـا النصُّ الجـيّدُ والفكـرُ الـمتنـوّرُ، والكلام عن المؤسسة لايعني ذات الصبغة القانونية وفقط، إنما يشمل حتى المجلاّت والملاحق الثقافية، التي تُسْـهِـمُ بشكل مباشر أو غير مباشر في تشكيل وتشكُّل القارئ، والمواظبُ على متابعة هذه الأخيرة يفـطِـنُ بسرعة لتـوغُّـلِها في كـلّ ماأشرنا إليه سابقاً، لدرجةٍ يحصلُ مع القارئ نـوعٌ من المـلَلِ لـتَـكرار الأسـماء، وهو غيـرُ جاهـلٍ بنيّة الـمشرفين وسعيهم فـرض وجوهٍ والإحـجام على أخـرى، علـماً أنـه ليس كلّ قائم على شأن الاختيار والإشراف أهـلاً لذلك، ويبدو أنه يمارس نـقداً على النصوص أو بالأصح على الشخوص.
    إنها الوضعية أستاذتي – بشكل عـام -، وما قيل لايعدو كـونه مجـرّد رأيِ متـتـبّع ومشتغل في الميدان، أما عن كون الدراسات النقدية تدفـعُ بالمبدع إلى الأمـام، فيكفيها أولاً أن تدفـعَ بنفسها، وتخرج من تلك الدروب الضيّـقة، وتنـزعَ عنها ثيـاب "مـدّني زميلي بكتابه إذن سأردّ له الجميل بمقالٍ عنه..!"، "هذا أستاذي يدرّسُـني، فلماذا لاأكتب عنـه مقالا فقد أحتاجـه غـداً ..!"، بالمقـابل، لـماذا لاأكلف طلبتي بإنجاز بحـوثهم عن هذه الكتُـبِ التي أعرف أصحابَـها ..!؟، لـنظـلّ - للأسـف- نراوح دوائرنا دون تقديم أعمال عن كتبٍ تستحق ذلك ..!؟.


    4 ـ ماهـي طبيعة المقاهي في زاكورة وطاطا ..؟، وهل هناك مقاهي ثقافيـة ..؟.

    زاكـورة كباقي المدن المغربية؛ من حيث لـونُ مقاهيها، فضغـطُ الزّمـن والجريُ وراء كسب العيش يظلان المخيمان على معظم رواد المقهى، هذا بمنأى الحديث عن التمـزّقات التي شهـدها ومازال الجسد الثقافي المغربي في مجمـله حتى بات حاملُ صفتـها يُـلقّبُ بـ: "مـاعـنْدو مايـدّار"، والحالُ أنّـه الاستثناء الذي يُـعـوّلُ عـليه أمام شبح العولمة، وفي ظـلّ الهـوّةِ التي تفصل بين أبناء الوطن الواحد، هذا دون أن نـحدّدَ أيّ مثقفٍ نقـصِـدُ ..!؟؛ لأنّ هـذا سؤال آخـر، يحتاج مـنّا نـوعـاً من الصّـراحة الممزوجةِ بالمرارة ..!.
    عن المقهى الثقافي بـزاكورة، ولأنّـي لستُ دائـمَ الحضور هـناك وإن كنتُ من أبنائهـا، أنقُلُ مـاأعرفُـهُ من خلال التواصل مع الكتّاب الزملاء (= أستاذي الناقد عبد العاطي الزياني خـاصّةً)؛ إذْ يسعـون إلى خلقِ ذلك، منطـلِقين من أهـداف "نادي الهامش القصصي"، وسعيـاً نحـو توسعة النشاط الثقافي بالمنطقة.
    بـطاطا، وخلال الخمس سنوات الماضية التي قضّـيتُـهـا فيها، سعيتُ ومجموعةً من الكتّاب تأسيس ذلك، وحيثُ بُـعـدُ المسافـة بيننا، يبلغُ أحياناً سبعين كيلومتراً تـعذّرَ الأمرُ، إلى جانب عـددنـا الضئيل، لذلك لم أجد بُـدّاً من تأسيس وتفعيل مقهـى ثقافي بالمنطقة التي أشتغلُ بهـا – أقاايغان، مركز تابع لإقليم طاطا، هامشُ الهامش كما يحلو لأحد الكتاب الزملاء تسميتَـه -، لكن يبقى أن غيابَ فضاء بمواصفاتٍ تليقُ بالعمل الثقافي جعلنا نختارُ مكتبة الجماعة المحلية، لتـوفُّـرها على كتُـبٍ مساعِـدةٍ على الفعل الثقافي، إضافةً إلى الأفْضيـة السّـامحة بذلك، مع الإبقاء على الإسم - المقهى الثقافي -، دون أن أحدّث القارئ الكريم تفصيـلاً عـمّا خـلّفهُ هذا الأخير من ردود أفعال، خاصّـةً مـن قِـبَـلِ العنصر النسوي، فكانت أولـى ورقـاته: "المقهى والإبداع، أيّ عـلاقـة ..؟"، نقـاشٌ خـلّفَ تشـنّجاً مـن قِبَلِ أطراف ذهـبْنَ إلى حـدّ الـمطـالبة بتغييـر الإسـم، ولـمّا لم يحصل ذلك فضّـلنَ الانسـحاب ..!.
    أمّـا الذين تحـفّظـواْ منـذ البداية فـحدِّث ولاحرج، بدوافع حتـماً غير بريئـة ..!، هـذا فضلاً عـن كـون الكثيرين أصلاً هـم أعـداءُ للـثقـافة، ويهـابُـون السـؤال، بل ويخشون الاخـتلاف، غير أنّـه في المقابل شـهد المقهـى من طرف مهتـمّين وعـاشقين منذ بدايته حتى الآن اهتمـاماً محمـوداً، وانضباطـاً جـعلا منه منبـراً لـقيَ صيـتاً رائعـاً، وذلك من خلال أنشطته المتنوعة، وخلقه قناة تواصلٍ تجمعُ بين الكـتّاب وأبناء الـمنطقة.
    فقد استضاف باسمه إلى حدود الساعة كاتـبيْن لهمـا تجربة رصينة، كلّ في الجنس الذي يكتب فيـه: (= الشاعـر البيضاوي رشيد الخديري، تاريخ: 12 يناير 2009م، لتوقيع ديوانـه: "حدائق زارا"، ثم الروائي الجنوبي عبد العزيز الراشدي، تاريخ: 16 مـارس 2009م، لتوقيع روايته: "بدو على الحافة")، ويـهيء لاستقبال آخـرين، من شتى فروع العلـم والمعرفـة، ومن مـدن مختلفة.


    5 ـ ما الـدور الذي يلعبه فضاء المقهـى في حياة الإنسان والمبدع بشكل خـاص ..؟.

    الحديث عن المقهى في علاقته بالمبدع، أو دورُهُ في حياة المبدع، هو حديثٌ من وجه آخر عن طقوس الكتـابة، ولا أعتقد أنّـه من الحتـمي على كـلّ كاتـب أن يحتضنه هذا الفضاء لـيتـولّـدَ لديه النصّ، أما وهنالك مَـنْ لايحضُـرُهُ جنّـيُّ الكتابة إلاّ في ذاك المكان فأمـرٌ واردٌ طبعـاً، مع مالذلك من اختلافٍ في كيفية التقاط وتوليد فكرة النص.
    الإنـسان العادي يظـلّ المقهى عنده ملجـأً لتزجيـة الوقت والالتقاء بزملاءَ يتقاطعون جميعهم خـاصية "مَـكَـانْ مَـايْـدّارْ"، ويشربون بذلك السجائر، ويحتسون أعراض الناس، مـشرّحين في الوقت ذاته كـلّ جـسدٍ مـرّ أمـام أعـيُنهم، متذاكـرين قصصـاً باليـةً، نـاسين أن زمـنَهم يذُمُّهم، والكراسي المحتضنة مـؤخراتهم تـسخَـرُ منهم، إذْ مـلّتْ وهم لم يـملّـواْ ..!!.
    بهذا اللون نُـعايِـنُ المقهى عند هذه الفئة، لكن أحيانا عند أناس قليلـين جدّاً يشكّـلُ فضـاءً للتواصلِ وتبادلِ التجارب المرتبطة بالحياة اليومية.
    أخيراً بخصوص هذه النقطة، فإنّ الصورةَ التي تربطُ الإنسـانَ عـامةً والمبدع خـاصّةً بالمقهى تَتَشكّـلُ وَفْـقَ الثقافـة التي يمتلكها كلٌّ منّـا، بنـاءً على ذلك يرتسِـمُ الدورُ الذي يمكن أن يلعـبَـهُ الفضاءُ في حياة هـذا أوذاك.


    6 ـ هـل يمكن اعتبار المقهى مكانـاً ملائمـاً لطقوس الكتابة ..؟، وهل لهذا الفضاء حضـور في نصوص الـمبـدع محمد بوشيخة .. ؟.

    أوّلاً، أسـجّلُ وجودَ تداخُـلٍ بين هذا السؤال والذي قبـلَهُ، لكن لابأس في ذلك، ليضيفَ هذا ماغاب عـنّـا في الأول.
    قـد يكون المقهى سِـحراً لابـدّ منه لإنـجاب النص عند بعض الكـتّاب، ويعدو مجرّد مكان عـادٍ عند آخـرين. مع الطرف الأول يمكن تشبيه ذلك بطقوس المتصوّفـة، فلِيَحـصُلَ التماهي والانصهار في واقع آخـر، يبدو غير مرئي يحتاج المنخرطُ دَمـاً ولَـحْماً لظـروفٍ تـؤهّـلُـهُ لذلك، وحسبي بالمسألة لاتبعُـدُ عـن الألفـة والاعتـياد.
    الطرف الثاني كتابتُـهُ للنص لاتُـجبره تـواجُـداً في المقهى، أمـرٌ يعني في المـقابل أنّـهُ يعيش عـلاقـةً حميميةً مع مكان من نوعٍ آخـر؛ إذ لاأظـنُّ كـاتباً بغير طقـوسٍ للكتابـة، والحديثُ عن المكـان هنا لايعني – أيضاً – إلـزامـاً ذاك المتـعارَفُ عليه، فقد نصـنعُ مكـانـاً وهـميـاً - نعيشُ فيه لوحدنـا لحظـةَ الإبداع – بتمـادينا في شربِ الخمـر مـثلاً.
    علاقتي بالمقهى وارتباط ذلك بنصوصي، لستُ مضطـرّاً للـتّـواجد فيه لـيحضُرنـي النصُّ، لكنه قد يفـاجِـئُـني سِـحـرُ الكتابة وأنا هنـاك، وكثيراً من النصوص، خاصّـةً القصصية، تـولّدتْ لـديَّ وأنا تـائـهٌ فـي بعض مقاهـي المحطّـات الطرقية (= أكاديـر/ انزكان/ مراكش/ البيضاء/ ورزازات/ ...).
    تعلمين أستاذتي وإن كنتُ أكتبُ القصّـةَ، فأنا أكثَـرُ انجرافـاً مع كتابة النص النقدي، هذا الذي لاأظنّـهُ ينسُـجُ عـلاقةً وديـةً مع فضاء المقهى، لاأقصـدُ المـقالة بشتّى أنواعهـا، إنما أرمي بحديثي - مثلاً – تقديم أطروحةٍ نقدية، بنـاءً على تـصوّرٍ معين، الأمـر الذي يقتضي من الباحث الناقد مجاورةَ مكتبته ومشاكسةَ مجموعة من المصادر والمراجع.

  • 7 ـ مـاذا يـمثّـل لـك: الوطـن، القلـم، التواصـل ..؟

    الوطـن: يبقـى غـاليـاً وعزيـزاً، وإن أسـاءَ إليه الـمتعصّبون، الشـواذ، والسياسويون، ثـم الكثيرون مـمّن وضعُـوا ويضعـوا للانتمـاء إليه درجـاتٍ ورُتَـباً.

    القلـم: الصّـديقُ الـوفِـيُّ لـمَنْ أحـبَّ الكلـمةَ الحرّةَ، العـدوُّ الشّـرِسُ لـمَنْ يهـابُـها ..!!.

    التواصل: عملـةٌ نـادرةٌ لـم يُـحسنِ الإنسانُ استخدامَـها ..


    8 ـ كيف تتصـور مقهـى ثقافيـاً نموذجيـاً ..؟.

    أوّلاً، تَصَـوُّرُ مقهى ثقـافي نموذجي يقتضي معـاينةَ مثقّفيـنَ بنفس الصّفـة.
    ثانياً، إِنْ كـان ولابُـدّ من ذلك، فـإنّـي أعـتبرُ فضـاءً تجـمعُ بين معتمريـه الكلـمةُ الحـرّةُ، وتدارس قضايا المجتمع ثقافياً؛ لأجل المساهـمةِ في الدّفع بها إلى الأمـام، مقهى ثقـافيـاً نـموذجياً.

    تحيـة عالية للمبدعة المختلفة الأصيليّة فاطمة الزهراء المـرابط.


الجمعة، 28 أغسطس 2009

سكان أقاايغان – إقليم طاطا أتعبهم الماء غير الصالح للشرب ولا مَـنْ يلتفت ..!.


سكان أقاايغان – إقليم طاطا أتعبهم الماء غير الصالح للشرب ولا مَـنْ يلتفت ..!.

  • أقاايغان، منذ زمن بعيد إلى الآن وسكانها يعانون من رداءةِ الماء الشروب، لم يحتج الأمر معالجةً أو تطبيياً، إنما بحثاً عن مصدرٍ بـديلٍ، فهيمنةُ "الكاركير" لدرجة لاتُتصـوّر على الماء لاتدع سبيلاً للتفكير في استعماله للغسيـل حتى.
    نعم، قد يُطالعُـكَ هذا أو ذاك عن سلامةِ أبدان الساكنة، لكن المتتبع لوضعية صحة النّاشئة يدرك خطورةَ الظاهرة، للتوعّكات المستمرة، والإصابة بأمراض تعفنية، أمراض متشابهة وكثيرة بين الساكنة.
    أما الوافدون الموظفون – يصرح لنا أحـدُ الأساتذة – "فقد استنفد مـاءُ القنينات مداخيل جيوبنا"، لذلك لم يجد هؤلاء حيلةً غير التفكير في بدائلَ أخرى، توحيد الصّف، وفي هذا الأمر فقط، ليتفقوا مع صاحب "بيكوب" يأتيهم بالماء من مكان بعيد، تجنباً للوقوع ضحيةَ أمراض تتطلّبُ مصاريف لاحول لهم ولاقوة بها.
    كيف لايحصُلُ ذلك وأنابيبُ نقل هذا النوع من الماء تعرفُ هي نفسها انسداداً مستمراً وموتاً متابَعـاً، وتجديداً لابـــــد منـــــه بشكـــــــل دوري (= انظر الصورة رفقته).
    أخيراً يبقى التعويلُ على المجلس الجماعي الجديد في إصلاح ماظـلّ فاسداً، في وقتٍ مرّت عـدّةُ ولايات رئاسية ولم يستمع مسؤولوها لاستغاثة الساكنة
    .